اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 507
في أصولهم الخمسةِ، إلاَّ أنَّه ثباتٌ مستندٌ إلى العقلِ المجرَّدِ أوَّلاً، ثمَّ هم يردُّونَ كلَّ ما خالفَ ما أصَّلوه، ولو كانَ ظاهرَ الكتابِ أو السنَّةِ، أو إجماعَ الصحابةِ.
ومنْ نظرَ في مناقشاتِ المعتزلةِ فيما بينهم، ظهرَ له بُعْدُهُمْ عن الكتابِ والسُّنَّةِ وأقوالِ السَّلفِ الصالِحِ، كما يظهرُ له اعتدادُهم بالعقلِ، وأنَّ هَمَّ الواحدِ منهم أنْ يظفرَ بالمناقشةِ، وأن تكونَ له الصَّولَةُ، ولهم في ذلك عجائبُ [1].
لذا تجد أنه يتردَّدُ عندَهم قولُهم: «فإن قلتَ، قلتُ»، وليس تحت هذه المناقشاتِ طائلٌ ولا نائلٌ، بل إنهم يتجادلون لأجل الجدل، لا للوصول إلى الحقِّ [2]. [1] منها: أنَّ النَّظَّام (ت:231) ناظر أبا الهذيل (ت:235) في «الجزء» فألزمه أبو الهذيل مسألة «الذَّرَّة والنعل»، وهو أول من استنبطه، فتحيَّر النَّظَّامُ، فلما جنَّ عليه الليل، نظر إليه أبو الهذيل، وإذا النَّظَّامَ قائمٌ، ورجله في الماء يتفكر، فقال: يا إبراهيم، هكذا حال من ناطح الكباش، فقال: يا أبا الهذيل، جئتك بالقاطع: أنه يظفر بعضاً يقطع بعضاً. فقال أبو الهذيل: ما يُقطع، كيف يَقطع؟. ينظر: المنية والأمل (ص:48). [2] ومن ذلك ما ذكره ابن قتيبة (ت:276) من مناقشة دارت بين معتزليين في العلم الإلهي، قال: «وسأل آخرٌ آخرَ عن العلم، فقال: أتقول: إنَّ سميعاً في معنى عليم؟ قال: نعم. قال: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران: 181]، هل سمعهم حين قالوه؟. قال: نعم.
قال: هل سمعهم قبل أن يقولوا؟. قال: لا.
قال: فهل علمه قبل أن يقولوه؟. قال: نعم.
قال له: فأرى في سميع معنًى غير معنى عليم. فلم يُجِب.
قال أبو محمد: قلت له وللأول [هو رجل معتزلي آخر حكى مناظرته قبل هذه]: قد لزمتكما الحجة، فلم لا تنتقلان عما تعتقدان إلى ما ألزمتكما الحجة؟
فقال أحدهما: لو فعلنا ذلك لانتقلنا في كلِّ يومٍ مرات.
وكفى بذلك حيرة!
قلت: فإذا كان الحق إنما يعرف بالقياس والحجة، وكنت لا تنقاد لها بالاتباع كما تنقاد بالانقطاع، فما تصنع بهما؟ =
اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 507