اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 313
إنَّ الأخفشَ (ت:215) صرفَ مدلولَ اليَدِ في هذه الآيةِ إلى أحدِ المحتملاتِ اللغويةِ التي تناسبُ معتقدَهُ في نفي الصفةِ عنِ اللهِ، ولمْ يراعِ السِّياقَ في تفسيرِهِ هذا؛ لأنَّ السِّياقَ على تفسيرِهِ: بلْ نعمتاه مبسوطتانِ، والنِّعْمَةُ لا تُوصَفُ بالغَلِّ كي يقال: إنها مبسوطةٌ، وإنما دعاه إلى ذلك اعتزاليَّتُه في فَهْمِ الصِّفاتِ، فتركَ دلالةَ ظاهر معنى اللَّفظ، ودلالة السِّياقِ التي تدلُّ على المحتملِ المرادِ بهذه اللَّفظةِ في هذا النَّصِّ، وهذا ديدنُ أهلِ البدعِ في مثلِ هذه الألفاظِ المجرَّدَةِ التي يكون لها أكثر من مدلول، فيتركون ما يدلُّ عليه السياق، ويذهبون باللفظ إلى ما يناسب معتقدهم، وقد أشارَ إلى ذلك سعيدُ بنُ عثمانَ الدَّارميُّ (ت:282) [1] في كلامٍ نَفِيسٍ؛ فقالَ: «... فإذا ادَّعَيتَ أنَّ اليدَ قدْ عُرِفَتْ في كلامِ العربِ أنها نعمة، وقوة. قلنا لكَ: أجلْ، ولسنا بتفسيرِها منك بأجهلْ، غيرَ أنَّ تفسيرَ ذلك يستبينُ في سياقِ كلامِ المتكلمِ حتى لا يُحتَاجُ له من مثلك [2] إلى تفسيرٍ.
إذا قالَ الرجلُ: لفلانٍ عندي يدٌ أكافئه عليها، عَلِمَ كلُّ عالمٍ بالكلامِ أنَّ يدَ فلانٍ ليست بائنةً منه موضوعةً عندَ المتكلمِ، وإنما يرادُ بها النعمةُ التي يَشْكُرُ عليها. وكذلك إذا قالَ: فلانٌ لي يدٌ، أو عَضُدٌ، أو ناصرٌ، علمنا أنَّ فلاناً لا يمكنُه أنْ يكونَ نَفْسَ يَدِهِ: عضوِهِ، ولا عَضُدِهِ، فإنما عنى به النُّصْرَةَ والمعونَة والتَّقْوِيَةَ.
فإذا قالَ: ضربني فلانٌ بيدِهِ، وأعطاني الشيءَ بيدِهِ، وكتبَ لي بيدِهِ. استحالَ أنْ يُقالَ: ضربني بنعمته، وعَلِمَ كُلُّ عالِمٍ بالكلامِ أنها اليَدُ التي بها يضربُ، وبها يكتبُ وبها يعطي، لا النعمة ...» [3]. [1] عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد الدارمي، العلامة، الحافظ الناقد، الإمام الحجة، روى عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهما، وروى عنه: زكريا بن أحمد ومحمد بن إسحاق الهروي وغيرهما، كان من المدافعين عن عقيدة السلف، وله من الكتب: الرد على الجهمية، توفي سنة (282). سير أعلام النبلاء (13:319 - 326)، وشذرات الذهب (2:176). [2] يقصد بشراً المريسي. [3] رد الإمام الدارمي على بشر المريسي، تحقيق: محمد حامد الفقي (ص:39).
اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 313