اسم الکتاب : الحديث في علوم القرآن والحديث المؤلف : حسن أيوب الجزء : 1 صفحة : 149
وبرودة الماء الذي في الآبار زمن الصيف، وحرارته في الشتاء، ذكروا في ذلك كله ما يندى له الجبين خجلا، وما لا يتفق والحقائق العلمية أبدا، ويا ليتهم نبهوا على وضعه! لو أنهم فعلوا لكان الأمر هينا، لكنهم لم يذكروا السند، كما ذكر الأولون ليستطيع المطلع عليه نقده بالرجوع إلى كتب الجرح والتعديل، ثم لم يكلفوا أنفسهم الحكم على السند بعد محاكمته إلى كتب التعديل والتجريح (وتلك ثالثة الأثافي).
وقد عني بعض المفسرين بأن يسرد شتاب الأقوال، حتى إنه ذكر في تفسير قوله سبحانه: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ نحو عشرة أقوال، مع أن الوارد الصحيح تفسير المغضوب عليهم باليهود، وتفسير الضالين بالنصارى، لكن الولوع بكثرة النقول نأى بهم عن الاقتصار على التفسير المقبول.
وكذلك نلاحظ أن كل بارع في فن يقتصر غالبا في تفسيره على الفن الذي برع فيه، فالمبرز في العلوم العقلية كالفخر الرازي، أغرم باستعراض أقوال الحكماء
والفلاسفة وشبههم والرد عليها في تفسيره، والمبرز في الفقه كالقرطبي أولع بتقرير الأدلة للفروع الفقهية وأقوال الفقهاء فيها، والمبرز في النحو كالزجّاج والواحدي في البسيط وأبي حيان في البحر، يهتم أعظم الاهتمام بالإعراب ووجوهه، ونقل قواعد النحو وفروعها، وأصحاب المذاهب المتطرفة والنّحل الضالة يقصدون إلى تأويل الآيات على ما يروج مذاهبهم في التطرف والضلال.
والأخباريون يعنيهم أن يستقصوا القصص والأخبار عمن سلف، صحيحة كانت أو باطلة.
والإشاريون وأرباب التصوف تهمهم ناحية الترغيب والترهيب والزهد والقناعة والرضا، فيفسرون القرآن بما يوافق مشاربهم وأذواقهم، وعلى الإجمال نرى كل نابغة في فن، أو داعية إلى مذهب أو فكرة، يجتهد في تفسير الآيات بما يوافق فنه، ويلائم مشربه، ويناصر مذهبه، ولو كان بعيدا كل البعد عن المقصد الذي نزل من أجله القرآن.
ولقد غالى بعضهم فجعل القرآن مشتملا على العلوم الكونية، كالطبيعة، والكيمياء، والحساب، والجبر، وما إلى ذلك، وشغل نفسه والناس معه بهذه الأمور التي لم ينزل القرآن من أجلها وإن جاءت صراحة أو إشارة في ثنايا البراهين القرآنية على القضايا الأساسية التي أنزل القرآن من أجلها، وقد مر ذكرها في أول الكتاب.
والخلاصة هنا: أنه يجب على المفسر ملاحظة أن القرآن كتاب هداية وإعجاز، وأن يجعل هدفه الأعلى، ومقصده الأسمى، إظهار هدايات الله من كلامه، وبيان وجوه إعجازه في كتابه لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ
اسم الکتاب : الحديث في علوم القرآن والحديث المؤلف : حسن أيوب الجزء : 1 صفحة : 149