أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم قال بعد ذلك: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا [1] فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء ناسخ للآية من أولها وأن التوبة لهؤلاء جميعا بمنزلة واحدة [2].
قلت: قد سمى أبو عبيد الاستثناء نسخا جريا على مصطلح السلف.
5 - ومن باب اليتامى أذكر هذا المقال الذي به أختم عرض الأمثلة.
قال أبو عبيد: والذي دار عليه المعنى من هذا أن الله عز وجل لما أوجب النار لآكل أموال اليتامى [3] أحجم المسلمون عن كل شيء من أمرهم حتى مخالطتهم كراهية الحرج فيها. فنسخ الله عز وجل ذلك بالإذن في المخالطة والإذن في الإصابة من أموالهم بالمعروف [4] إذا كانت لوالى تلك الأموال الحاجة إليها [5].
قلت: اعتبر أبو عبيد إزالة الحرج الواقع في نفوس الصحابة من مخالطة اليتامى، نسخا.
وبعد هذا الاستطراد في ذكر مفهوم السلف لمصطلح الناسخ والمنسوخ الذي التزم به أبو عبيد في كتابه هذا. أصبح من اليسير أن نجد آيات عديدة حكم عليها أبو عبيد بالنسخ وأن نجد آثارا عدة تضمنت التصريح بالنسخ مما لا مجال للتعارض فيه بل الجمع بين النصوص ممكن بيسر وسهولة.
إنه لمن الخطأ البين والتطاول الواضح أن نحكم على واحد من علماء السلف الأجلاء بأنه كان مسرفا فى القول بالنسخ، قبل الكشف عن مراده بقوله: هذا النص أو الحكم منسوخ. [1] سورة المائدة آية 33، 34. [2] انظر: آخر باب الشهادات. ص 154. [3] وذلك فى آية النساء إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً آية 10. [4] وذلك فى البقرة وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.
سورة البقرة آية 6. [5] انظر: باب اليتامى ص 240.