دلالات وأحكاما لا تحتملها النصوص. وهكذا ... لذا كان لزاما عليّ أن أتتبع عقيدة أبي عبيد فأكشف عن مدى صفائها وسلامتها من الابتداع مستندا في ذلك الكشف على نصوص توثيقية- أقوال ومواقف- سجلت لأبي عبيد.
1 - الإيمان:
مذهب أبي عبيد في الإيمان مذهب أهل السنة والجماعة فى أن الإيمان اعتقاد القلب مع قول اللسان وعمل الجوارح، تبين لنا ذلك بما ثبت عنه في كتابه الإيمان إذ يقول: اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر- أي الإيمان- فرقتين:
فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح.
وقالت الفرقة الأخرى: بل الإيمان بالقلوب والألسنة فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر وليست من الإيمان.
ثم بين أبو عبيد مذهبه في ذلك فقال: وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا وينفيان ما قالت الأخرى [1].
وقد انتقد أبو عبيد الفئات الضالة في مفهوم الإيمان كالجهمية القائلين بأن الإيمان هو معرفة القلب فكان مما قال: ثم حدثت فرقة ثالثة شذت عن الطائفتين جميعا ليست من أهل العلم ولا الدين فقالوا: الإيمان معرفة بالقلوب بالله وحده وإن لم يكن هناك قول ولا عمل. وهذا منسلخ عندنا من قول أهل الملل الحنفية لمعارضته لكلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم بالرد والتكذيب [2]. وأبطل أيضا مفهوم الإيمان عند كل من المعتزلة القائلين: إن الإيمان بالقلب واللسان مع اجتناب الكبائر فمن قارف شيئا كبيرا زال عنه الإيمان ولم يلحق بالكفر، والخوارج [1] انظر: كتاب الإيمان لأبي عبيد 53، 54 ت محمد ناصر الدين الألباني. [2] انظر: المرجع السابق 79.