responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بيان إعجاز القرآن المؤلف : الخطابي    الجزء : 1  صفحة : 68
وكيف لم تفطن لموضع التدبير من قصر رقبتها واندماج عنقها , فإنها لو طالت لم تقل رأسها , ولأوهنها ثقل حمله. فإذ قد منعت امتداد العنق فقد عوضت به انسدال المشفر , لتتناول به من وجه الأرض حاجتها من القوت والعلف , وتدلو به شربها من الماء , وتملأ كالسقاء فتنضح به أعضاءها إذا شاءت , ثم قد منعت البروك بأن لم تجعل لها مفاصل لم تقدر على النهوض , إذ ليس لها عنق تتطاول بها كالبعير الذي يهنع بعنقه وينبعث ويثور , فما يشبه هذه الأمور من نعوت خلقها وعجائب تركيبها. ويقال له أرأيت لو عارضك في قولك سفيه مثلك بالبعوض الذي هو خصم فيلك وجنفه في مضادة الطباع , وقد حكاه في مناظر الخلقة من شخوص الفودين وانخراط الخدين. وانسدال المشفر والصول به. فقال: " البعوض ما البعوض وما أدراك مالبعوض , له مشفر عضوض , في الدماء يخوض. فهو للفيل عروض " هل يكون سبيله فيما تعاطاه من السخف إلا سبيلك فيما أتيته من الجهل؟. فإن قيل إن البعوض ليس بعروض الفيل لبعد ما بينهما من التفاوت في الحجم والجثة وما بينهما من الضعف والقوة قيل: مدار الحكم في باب التشبيه والتمثيل على المعاني دون الأعيان والأجسام , والبعوض حيوان من أوجه كالفيل , يكسب القوت ويتوقى المهالك , ولذلك صار يتوارى نهارًا ويبرز ليلًا , وقد أشبه خلقه الفيل برأسه وبخرطومه ,وبسائر ما ذكرناه من أمره , ثم قد زاد عليه بجناحين , فصار موضع نقص الجسم والجثة مجبورًا بهما , فهما متساويان في المعاني التي تجمعهما غير مفترقين فيهما.

اسم الکتاب : بيان إعجاز القرآن المؤلف : الخطابي    الجزء : 1  صفحة : 68
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست