اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 358
ويؤيد الله نبيه بالمعجزة وتذكر الآيات القرآنية الكريمة ما يفيد أن هذه المعجزة التى يؤيد الله بها رسولا من رسله ليست من صنع الرسول، وإنما يجريها الله سبحانه على يديه تأييدا له ودليلا على صدقه، والدليل على ذلك أن موسى عليه السّلام لما أمر بإلقاء العصا ورآها تهتز كأنها جانّ ولّى مدبرا، وطمأنه الله فلو كانت من صنعه لما خاف. قال تعالى: وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11).
وأمر الله سبحانه موسى عليه السّلام بإدخال يده في جيبه ليريه آية أخرى، ومع كثرة الآيات وقوتها ووضوحها تلقاها القوم الفاسقون بالجحود والكبر مع تيقنهم من أنها من عند الله سبحانه، قال تعالى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14).
ثم تخبرنا الآيات الكريمة بعد ذلك عن وحى الله ونعمته على داود وسليمان ومقابلة هذه النعم بالحمد، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18). وفى الوقت الذى تعرض فيه هذه الصورة للملك الكبير والذى كان عليه سليمان عليه السّلام ومع هذا الملك يكون الخضوع لأمر الله والثناء عليه وعدم الكبر وعدم البطش بالضعفاء ولذلك سرّ سليمان عليه السّلام من قول النملة: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) أى لن يفعلوا ذلك بعلم منهم لعدلهم ورحمتهم بالنمل وغيره: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19).
وتذكر الآيات الكريمة بعد ذلك موقفا لسليمان عليه السّلام مع الطير وهو موقف تعليمىّ فى العلاقة بين القائد وجنده، وكيف يكون القائد عارفا بأحوال جنده، وكيف يعرف الجند النظام والطاعة فسليمان عليه السّلام يتفقد الطير فلم يجد الهدهد ومعنى ذلك أنه غاب بغير إذن وتكون العقوبة على قدر ما فعل، فقد تكون تعذيبا وقد تكون ذبحا، وقد يأتى بما يرفع عنه العقوبة من عمل عظيم أو عذر مقبول. قال تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما
اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 358