اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 32
الْكَوْثَرَ [1] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [2] إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) [الكوثر]. فقد أجاب الإمام الرافعى رحمه الله فى أماليه على الفاتحة بقوله: فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت فى تلك الإغفاءة وقالوا: من الوحى ما كان يأتيه فى النوم لأن رؤيا الأنبياء وحى قال: وهذا صحيح، لكن الأشبه أن يقال: إن القرآن كله نزل فى اليقظة وكأنه خطر له فى النوم سورة الكوثر المنزلة فى اليقظة، أو عرض عليه الكوثر الذى وردت فيه السورة فقرأها عليهم وفسرها لهم، ويقول الرافعى: وردت فى بعض الروايات أنه أغمى عليه، وقد يحمل ذلك على الحالة التى كانت مقترنة عند نزول الوحى، ويقال لها: برحاء الوحى ... ويعلق الإمام السيوطى رحمه الله على قول الرافعى بقوله:
والذى قاله الرافعى فى غاية الاتجاه وهو الذى كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه، والتأويل الأخير أصح من الأول، لأن قوله: أنزل علىّ آنفا يدفع كونها نزلت قبل ذلك، بل نقول: نزلت فى تلك الحالة وليست الإغفاءة إغفاءة نوم، بل الحالة التى كانت تعتريه عند الوحى فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا [1].
ولا يفهم من الأخذ عن الدنيا أنه كان يغيب عن الوعى. كلا فقد مر بنا ما يفيد الوعى المستمر أثناء نزول الوحى، وبعد أن يفصم عنه صلى الله عليه وسلم، حيث يقول النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك: «فيكلمنى فأعي ما يقول». ويقول: «فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال».
كما أنه أوحى إليه والعرق فى يده كما حكى عمر رضي الله عنه فى الحديث الذى جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم: «إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكنّ». وأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها، فالوعى إذا مستمر مع نزول الوحى، وليس عرضا مرضيا أو عصبيا كما يدعى المغرضون.
وكيف يكون مع المرض إعجاز وعلم وهدى للعالمين؟! ثالثا: ليس الوحى اختياريا، أو تكلفا، أو طوع أمره صلى الله عليه وسلم فقد طلبه فى أشد الأوقات، وكان يشتاق إلى كثرة نزول جبريل عليه، ولكن لا ينزل الوحى إلا بأمر الله، وفى الوقت الذى يشاء، روى الترمذى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» قال: فنزلت هذه الآية: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) [2] [مريم].
ورواه البخارى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» فنزلت: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ الآية، قال: كان هذا الجواب [1] التحبير فى علم التفسير للسيوطى 84، 85. [2] القرطبى 11/ 128، وقال الترمذى: «هذا حديث حسن غريب».
اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 32