اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 315
ما يتحلوا به لبسا، وفيهما تسير الفلك التى تحمل الناس فى أسفارهم، ويقتضى مع هذه النعم ومظاهر قدرة الله فيها أن يعرف الإنسان فضل الله عليه فيشكره. وهذا الإيلاج لليل فى النهار وللنهار فى الليل وتسخير الشمس والقمر فيهما، وهذا الجرى للأجل المسمى دليل على قدرة الرب الخالق سبحانه وعظيم نعمه وفضله على خلقه، ومقتضى ذلك التوجه الخالص إليه بالعبادة، فله الملك والذين يدعون من دونه لا يملكون شيئا ولا يسمعون دعاء المشركين؛ لأن هؤلاء المدعوّين جمادات أو أموات أو ملائكة مشغولون بطاعة ربهم، ولو سمع هؤلاء فإنهم لا يملكون شيئا ولا يرضى أكثرهم بعبادة من عبده، ولذلك سيتبرءون من عابديهم يوم القيامة وبهذا تجتث الآيات القرآنية الكريمة ما وقع فيه بعض الناس من الشرك، وتوجه القلوب إلى المعبود بحق سبحانه ولا يستحق سواه شيئا من العبادة وأن عبادة ما سواه باطلة ومتعلقة بباطل. قال تعالى: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14).
وتقرّر الآيات الكريمة المنزلة بعد ذلك مجموعة من المبادئ والحقائق التى لا غنى للناس عنها منها: الافتقار إلى الله سبحانه فى كل شىء فى الخلق والرزق والهداية والنجاة وغير ذلك فهو الغنى الحميد، قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) وفيها أن الناس لا يملكون وجودهم فالله وحده الذى خلقهم هو الذى يميتهم وهو الذى يحييهم وهو القادر على أن يذهبهم- إن شاء- وأن يأتى بخلق جديد يكونون أحسن حالا منهم. قال جل شأنه: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17). ومنها تقرير المسئولية الشخصية، ولا تفريط فيها ولو مع الأقربين، قال تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18).
ومن هذه الحقائق: أن الذى ينتفع بوحى الله هو الذى يخشى ربّه بالغيب ويقيم الصلاة، ومنها: أن منافع الهداية بوحى الله تعود على النفس فى ذاتها وفى علاقاتها بغيرها، ومنها: اليقين فى أن مصير الناس إلى الله سبحانه الذى خلقهم ورزقهم وأمرهم
اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 315