اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 305
عليه. ذكر ابن إسحاق وغيره أنهم لما عجزوا عن معارضة القرآن ولم يرضوا به معجزة اجتمع رؤساء قريش بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلي محمد صلّى الله عليه وسلم فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فآتهم، فجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بدو وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم. فكان مما قالوه فى هذا المجلس: «سل ربّك أن يبعث معك ملكا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك، واسأله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة» يغنيك بها عما زاك تبتغى، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى تعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولا كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«وما أنا بفاعل وما أنا بالذى يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن بعثنى بشيرا ونذيرا- أو كما قال- فإن تقبلوا فى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة
وإن تردوا علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم بينى وبينكم» [1].
فهؤلاء عيّروا الرسول صلّى الله عليه وسلم بأكل الطعام؛ لأنهم تصوروا أن يكون الرسول ملكا، وعيّروه بالمشى فى الأسواق حين رأوا الأكاسرة والقياصرة يترفعون عن الأسواق وكان عليه الصلاة والسلام- يخالطهم فى أسواقهم ويأمرهم وينهاهم فكان ردّ القرآن الكريم عليهم مع تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10).
وتبين الآيات الكريمة بعد ذلك أن سبب هذا الفساد لدى المشركين تكذيبهم بالساعة، وجهل هؤلاء الوعيد الشديد من الله سبحانه لمن كذب بالساعة، فإن التكذيب بالساعة يفعل بالإنسان مثل ما حدث من هؤلاء المشركين من ظنون فاسدة وأعمال سيئة، ويعقبه ويل وهلاك. وفى نفسه ينعم المؤمنون المتقون بوعد الله الصادق جزاء إيمانهم وتقواهم واستقامتهم قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ [1] القرطبى 13/ 8، 9.
اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 305