اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 18
ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان شيخا قد عمى، وله اطلاع على كتب الأقدمين، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فأخبره النبى صلّى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: قدوس، هذا هو الناموس (أى صاحب السر) الذى أنزل على موسى، ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك، قال النبى صلّى الله عليه وسلم:
«أو مخرجيّ هم؟»، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم يلبث ورقة أن توفى، وفتر الوحى.
هذه هى المرة الأولى التى رأى الرسول صلّى الله عليه وسلم فيها جبريل عليه السّلام فى هيئته الملكية يملأ الأفق، ولا شك أن هذه الرؤية الأولى أحدثت فى نفس النبى صلّى الله عليه وسلم الروع، وجعلته يرجع إلى خديجة رضي الله عنها يرجف فؤاده، ويقول: زملونى، ويغطونه حتى ذهب عنه الروع، وذهبت خشيته على نفسه، ولا شك أن رؤية الملك فى صورته الملكية لأول مرة تحدث مثل هذا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولكن ما ذكر من رجف الفؤاد والروع والخشية على النفس، لا تذهب وعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحفظه لما قال جبريل، وما بلغه، بل وصف ما حدث له بدقة، واتضح ذلك فى حكاية ما حدث لخديجة رضي الله عنها، وحكاية ذلك أيضا لورقة بن نوفل؛ حيث أخبره خبر ما رأى، وكيف قال له: اقرأ، وكيف أخذه وضمه ضمة شديدة حتى بلغ منه الجهد، مع ذكر عدد الضمات على شدتها، وكان فى هذه المرة تبليغ جبريل لأولى الآيات المنزلة من القرآن الكريم فى شهر رمضان، وفى الليلة المباركة التى هى ليلة القدر. قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [البقرة: 185]. وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) [الدخان]، وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) [القدر]. وسنحقق إن شاء الله هذه المسألة فى تحديد أول ما نزل من القرآن فى حينه، غير أن الذى نرى أن نؤكده أن ضبط ما بلغ مع هذا الروع كان فى أحسن حالاته: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ
(17) [القيامة]، فقراءة النبى، وحفظه لما يوحى إليه، بإذن ربه، وبفضله، وتوفيقه، وقوته:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) [العلق].
وتعليق أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها على هذه الرؤية الأولى وما صحبها من الروع والخشية والرجفة ليس من قبيل ما اعتاده الناس فى مثل هذه الحالات، فمثل النبى صلّى الله عليه وسلم
اسم الکتاب : تاريخ نزول القرآن المؤلف : محمد رأفت سعيد الجزء : 1 صفحة : 18