اسم الکتاب : تفسير الألوسي = روح المعاني المؤلف : الآلوسي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 450
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ بيان حكم آخر من الأحكام المذكورة، وفصله عما سبق للدلالة على كونه حكما مستقلا- كما فصل اللاحق لذلك- ولم يصدره بيا أيها الذين آمنوا لقرب العهد بالتنبيه مع ملابسته بالسابق في كون كل منهما متعلقا بالأموات، أو لأنه لما لم يكن شاقا لم يصدره كما صدر الشاق تنشيطا لفعله، والمراد من- حضور الموت- حضور أسبابه، وظهور أماراته من العلل والأمراض المخوفة أو حضوره نفسه ودنوه، وتقديم المفعول لإفادة كمال تمكن الفاعل عند النفس وقت وروده عليها.
إِنْ تَرَكَ خَيْراً أي مالا- كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه ومجاهد- وقيده بعضهم بكونه كثيرا إذ لا يقال في العرف للمال: خَيْراً إلا إذا كان كثيرا، كما لا يقال: فلان ذو مال إلا إذا كان له مال كثير، ويؤيده ما
أخرجه البيهقي وجماعة- عن عروة- أن عليا كرم الله تعالى وجهه دخل على مولى له في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم، فقال: ألا أوصي؟ قال لا إنما قال الله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً وليس لك كثير مال، فدع مالك لورثتك.
وما أخرجه ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا قال لها: أريد أن أوصي قالت: كم مالك؟
قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: قال الله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل، والظاهر من هذا أن الكثرة غير مقدرة بمقدار، بل تختلف باختلاف حال الرجل فإنه بمقدار من المال يوصف رجل بالغني ولا يوصف به غيره لكثرة العيال. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تقديرها، فقد أخرج عبد بن حميد عنه «من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا» ومذهب الزهري أن الْوَصِيَّةُ مشروعة مما قل أو كثر،- فالخير- عنده المال مطلقا- وهو أحد إطلاقاته- ولعل اختياره إيذانا بأنه ينبغي أن يكون الموصى به حلالا طيبا لا خبيثا لأن الخبيث يجب رده إلى أربابه ويأثم ب الْوَصِيَّةُ فيه.
الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مرفوع ب كُتِبَ وفي الرضيّ إذا كان الظاهر غير حقيقي التأنيث منفصلا فترك العلامة أحسن إظهار الفضل الحقيقي على غيره- ولهذا اختير هنا تذكير الفعل- والْوَصِيَّةُ اسم من أوصى يوصي، وفي القاموس أوصاه ووصاه توصية- عهد إليه- والاسم الوصاية والْوَصِيَّةُ وهي الموصى به أيضا والجار متعلق بها فلا بد من تأويلها بأن مع الفعل عند الجمهور، أو بالمصدر بناء على تحقيق الرضى من أن عمل المصدر لا يتوقف على تأويله، وهو الراجح ولذلك ذكر الراجع في بدله، وجوز أن يكون النائب عَلَيْكُمْ والْوَصِيَّةُ خبر مبتدأ كأنه قيل: ما المكتوب؟ فقيل هو الوصية، وجواب الشرط محذوف دل عليه كُتِبَ عَلَيْكُمْ، وقيل: مبتدأ خبره لِلْوالِدَيْنِ والجملة جواب الشرط بإضمار الفاء لأن الاسمية إذا كانت جزاء لا بد فيها منها، والجملة الشرطية مرفوعة ب كُتِبَ أو عَلَيْكُمْ وحده، والجملة استئنافية ورد بأن إضمار الفاء غير صحيح لا يجترى عليه إلا في ضرورة الشعر كما قال الخليل، والعامل في إِذا معنى كُتِبَ والظرف قيد للإيجاب من حيث الحدوث والوقوع، والمعنى توجه خطاب الله تعالى عَلَيْكُمْ ومقتضى كتابته إِذا حَضَرَ وغير إلى ما ترى لينظم إلى هذا المعنى أنه مكتوب في الأزل، وجوز أن يكون العامل الوصية، وهي وإن كانت اسما إلا أنها مؤولة بالمصدر أو بأن والفعل، والظرف مما يكفيه رائحة الفعل لأن له شأنا ليس لغيره لتنزيله من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيه، وعدم انفكاكه عنه، ولهذا توسع في الظروف ما لم يتوسع في غيرها، وليس كل مؤول بشيء حكمه حكم ما أوّل به، وقد كثر تقديم معمول المصدر عليه في الكلام، والتقدير تكلف، ولا يرد على التقديرين أن الوصية واجبة على- من حضره الموت-
اسم الکتاب : تفسير الألوسي = روح المعاني المؤلف : الآلوسي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 450