responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الألوسي = روح المعاني المؤلف : الآلوسي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 419
مالك وأحمد والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجة عن كعب بن مالك: «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ثمر الجنة- أو- شجر الجنة»
ولا ما
أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود مرفوعا «إن أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور خضر تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش»
لأن كونها في الأجواف أو في الحواصل يجامع كونها في تلك الصور إذ الرائي لا يرى سواها، وقيل: جسد آخر على صور أبدانهم في الدنيا بحيث لو رأى الرائي أحدهم لقال: رأيت فلانا- وإلى ذلك ذهب بعض الإمامية- واستدلوا بما
أخرجه أبو جعفر مسندا إلى يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله جالسا فقال: ما تقول الناس في أرواح المؤمنين؟ قلت: يقولون: في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد الله:
سبحان الله! المؤمن أكرم على الله تعالى من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر يؤنس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.
ووجه الاستدلال إذا كان المراد- بالمؤمنين- الشهداء ظاهر، وأما إذا كان المراد بهم سائر من آمن فيعلم منه حال الشهداء وأن أرواحهم ليست في الحواصل بطريق الأولى، وعندي أن الحياة في البرزخ ثابتة لكل من يموت من شهيد وغيره، وأن الأرواح- وإن كانت جواهر قائمة بأنفسها- مغايرة لما يحس به من البدن لكن لا مانع من تعلقها ببدن برزخي مغاير لهذا البدن الكثيف، وليس ذلك من التناسخ الذي ذهب إليه أهل الضلال، وإنما يكون منه لو لم تعد إلى جسم نفسها الذي كانت فيه- والعود حاصل في النشأة الجنانية- بل لو قلنا بعدم عودها إليه والتزمنا العود إلى جسم مشابه لما كان في الدنيا مشتمل على الأجزاء النطقية الأصلية أو غير مشتمل لا يلزم ذلك التناسخ أيضا لأنهم قالوه على وجه نفوا به الحشر والمعاد، وأثبتوا فيه سرمدية عالم الكون والفساد، وأن أرواح الشهداء يثبت لها هذا التعلق على وجه يمتازون به عمن عداهم إما في أصل التعلق أو في نفس الحياة بناء على أنها من المشكك لا المتواطئ، أو في نفس المتعلق به مع ما ينضم إلى ذلك من البهجة والسرور والنعيم اللائق بهم، والذي يميل القلب إليه أن لهاتيك الأبدان شبها تاما صوريا بهذه الأبدان، وأن المواد مختلفة والأجزاء متفاوتة- إذ فرق بين العالمين، وشتان ما بين البرزخين- ويمكن حمل أحاديث الطير على تشبيه هذه الأبدان الغضة الطرية بسرعة حركتها وذهابها حيث شاءت بالطير الخضر، وتحمل الصورة على الصفة كما حملت على ذلك
في حديث «خلق آدم على صورة الرحمن»
واستبعاد أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ما تقدم محمول على ما يفهمه العامة من ظاهر اللفظ، ولمزيد الإيضاح اللائق بعوام وقته عدل عنه إلى عبارة لا يتراءى منها شائبة استبعاد كما يتراءى من ظاهر الحديث حتى أن بعض العلماء لذلك حملوا «في» فيه على- على- وهو إما تجاهل أو جهل بأن صغر المتعلق أو ضيقه لو كان موجودا فيما نحن فيه لا يضر الروح شيئا ولا ينافي نعيمها، أو ظن بأن لتلك الصورة روحا غير روح- الشهيد- فلا يمكن أن تتعلق بها روحان، والأمر على خلاف ما يظنون، وإن شئت قلت بتمثل الروح نفسها صورة لأن الأرواح في غاية اللطافة وفيها قوة التجسد كما يشعر به ظهور الروح الأمين عليه السلام بصورة دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه. وأما القول بحياة هذا الجسد الرميم مع هدم بنيته وتفرق أجزائه وذهاب هيئته- وإن لم يكن ذلك بعيدا عن قدرة من يبدأ الخلق ثم يعيده- لكن ليس إليه كثير حاجة، ولا فيه مزيد فضل، ولا عظيم منة، بل ليس فيه سوى إيقاع ضعفة المؤمنين بالشكوك والأوهام وتكليفهم من غير حاجة بالإيمان بما يعدون قائله من سفهة الأحلام، وما يحكى من مشاهدة بعض الشهداء الذين قتلوا منذ مائة سنين، وأنهم إلى اليوم تشخب جروحهم دما إذا رفعت العصابة عنها فذلك مما رواه- هيان بن بيان- وما هو إلا حديث خرافة وكلام يشهد على مصدقيه تقديم السخافة.

اسم الکتاب : تفسير الألوسي = روح المعاني المؤلف : الآلوسي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 419
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست