اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 90
وتدلنا كتب الإعجاز على تعلّق الدارسين بالشعر، ونحن نأسف لأن نجد ما يشبه هذا التعلق إذا قرأنا ما جاء في كتاب نعيم الحمصي، فهو يرى أن بيان القرآن أعجز العرب الأوائل معاصري الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنهم شعراء فقط، والقرآن أقرب إلى النثر منه إلى الشعر، فهو يقول: «لتخلّف العرب في فني النثر والخطابة كانت دهشتهم من بيان القرآن وأسلوبه عظيمة جدا، دونها دهشة وتقدير الأدباء العباسيين الفحول الذين تجرّأ بعضهم، أو اتّهم بأنه تجرّأ على معارضة القرآن» [1]، وكلنا يعلم أن الذين اتّهموا بمعارضة القرآن شعراء على الأغلب.
وهذا الرأي مردود، لأن الخطابة لم تتخلف عن الشعر، فقد كانت في مستواه جودة وتحبيرا، ونبغ خطباء مفوّهون في الجاهلية شهد لهم بالبراعة، واستجلاء الفكر، إلا أن الشعر كان من جهة الكم أكبر واستعماله أكثر، وهو أسهل حفظا نتيجة موسيقاه، فتداولوه في الحرب والسلم، ثم إن العرب قارنوه بالشعر، وليس بالنثر، وقد ارتأت لهم القرابة من جرّاء فواصله، ثم تراجعوا عن كونه شعرا، وما كلامهم في شئونهم وأمورهم المعيشية إلا خطب فصيحة تفوق ما جاء به العباسيون.
ثم إذا كانت دهشة العباسيين أقلّ من الجاهليين- كما يرى الباحث- فهذا يعني مع الطرد العكسي تقدم الزمان وتأخر البيان القرآني، وكأنما يعني الباحث في كلامه اطراد قلّة الدّهشة في ظروف تقدّم الأدب، والعكس هو الصحيح، فكلما نضج الأدب ازداد بيان الإعجاز، وهذا ما تثبته الدراسات الحديثة.
ومن المحذور في هذا المقام ما ذكره «عز الدين إسماعيل الذي خيّل إليه أن بعض الشعراء قد عارض القرآن في صورته الأولى، فتوصل إلى مرتبتها الفنية، فهو يقول: «هكذا يقف الشعراء من ذلك الأثر الأدبي- القرآن- يقيسون به أنفسهم أحيانا، ويأخذهم الزهو، فيفضّلون إنتاجهم عليه في بعض الأحيان، ولكنهم في كل الحالات لم يكونوا يتأثرونه، أو ينحون عليه إلا في ناحيته [1] الحمصي، د. نعيم، 1955، تاريخ فكرة الإعجاز، ط/ 1، المجمع العلمي العربي، دمشق، ص/ 11.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 90