اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 47
والشكر» [1].
وفي كلامه بعد نظر إلى ما أغفله الدارسون الذين تعاظموا مخالفة الجرجاني في مسألة النظم.
وإذا كان في تعليقه السابق يبيّن خروج الناس عن الجادّة المستقيمة في استعمال القرآن، فإنه في مكان آخر يوغل في كشف العامل النفسي، والبعد الإنساني لتفضيل مفردة على أخرى، فهو يقول بصدد الآية الكريمة: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ [2]: «وقولهم: إن المستعمل في الزكاة المعروض لها من الألفاظ الأداء والإيتاء والإعطاء، ونحوها كقولك: أدّى فلان زكاة ماله، وآتاها، وأزكى ماله، ولا يقال: فعل فلان الزكاة، ولا يعرف ذلك في كلام أحد، فالجواب أن هذه العبارات لا تستوي في مراد هذه الآية، وإنما تفيد حصول الاسم فقط، ولا تزيد على أكثر من الإخبار عن أدائها فحسب، ومعنى الكلام ومؤدّاه المبالغة في أدائها، والمواظبة عليه حتى يكون ذلك صفة لازمة لهم، فيصير أداء الزكاة فعلا لهم مضافا إليهم، يعرفون به، فهم له فاعلون» [3].
فالأمر ليس مطابقة الدال للمدلول بقدر ما هو تأثير نفسي للكلمات وإيحائها بمعان سامية، وليس المقصود هنا المبالغة كما رأى، بل المقصود توصيل الشريعة الغراء للإنسان إلى أسمى المراتب، حتى تصبح المثالية الإنسانية طبعا فيه.
والمسألة ليست لغوية فحسب، وإنما هي وجود لما لم يكن موجودا، وبما أن «الفعل» عام، ومظهر لوجود المرء، وشكل لفاعليته في معاشه، فكأن الزكاة طبع في المسلم، وهو بذلك أرقى من غيره، والفعل يدلّ على الحركة، فيتجاوز الأقوال، ويدلّ على الحركة والعمل، ليكفي المرء نفسه، ويعمل على مساعدة الآخرين.
ومثل هذه الوقفات على الدّلالة النفسية كثيرة في «كشاف» [1] الخطابي، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ 26. [2] سورة المؤمنون، الآية: 4. [3] الخطابي، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ 41.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 47