اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 323
الصورة الفنية، وهذا ليس ببعيد عن معنى الإيغال الذي ذكره لنا ابن أبي الإصبع.
وهذه الفاصلة تقع من جهة الإعراب صفة للكلمة التي تكون قبلها، فتعطيها إيغالا، وزيادة تأثير، ومن هذا قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [1]، فإنّ هذه الفاصلة أضافت إلى غباء الحمر ضعفها، فهي تهرب من اللّيث، وهذا يصوّر مقدار إنكار الكفار وتهربهم من الرسالة السماوية.
وكذلك قوله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى [2] فالفاصلة توحي باستدامة هذه النار، والفاعلية تضاف إلى الماهيّة، ويمكن أن نقول هذا في قوله تعالى:
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [3]، وكذلك قوله: فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ [4]، فهاتان الكلمتان تكملان الصورة أمام البصر ولا تدعان للنّقص مكانا، إضافة إلى جمال المحافظة على الرّنّة الموسيقية.
نستنتج مما سبق أنّ جمالية تمكّن الفاصلة لم تكن وليدة عصرنا، فقد أفاض القدامى في بيان مضمون الفاصلة، وحقّه من الوجود، وبعدها عن التكلّف والقلق في مكانها، وردّوا تهمة السّجع، بيد أنهم لا ينفون قصد القرآن إلى الترنيم بالفواصل، وذلك بتقديم معنى الفاصلة وأهميّته في الآية على المراعاة اللفظية.
وكان لكلّ دارس أسلوبه في إبراز تمكّن الفاصلة، وقد أثبتنا في الفقرة وقفات رائعة لهم، وبيّنّا المعيار الذي يعتمده كلّ منهم، فهناك المعيار اللغوي، ودقّة الاستعمال والفروق، وهناك معيار النظر إلى أوّل الآية، ولم تخل نظراتهم من تمحيص وكشف لظلال الفاصلة، وقد وجدوا جمالها يتوزّع بين مناسبتها لما قبلها، وإضاءتها للنص بمعنى جديد، وقد تبيّن لنا أن القدامى بذلوا جهدا كبيرا في هذا المضمار، لم يزد عليه المحدثون كثيرا. [1] سورة المدّثّر، الآية: 50. [2] سورة الليل، الآية: 14. [3] سورة الهمزة، الآية: 9. [4] سورة الحاقّة، الآية: 22.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 323