اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 32
للجمال السمعي.
ولا ريب في أن كلا الطرفين: الصوت والمعنى في تلازم دائم، وأن التعلّق بالصوت مرحلة أوّلية يجب أن تجتاز، وفي هذا يقول جيروم ستولينتز: «إن الكلمة ليست مجرد شكل على الورق، أو صوتا نسمعه إذا كانت منطوقة، وإنما هي لا تكون كذلك إلا بالنسبة إلى الطفل الصغير، أو شخص لا يعرف اللغة، ... ولكن على الرغم من ذلك يظلّ التمييز قائما بين اللون والصوت الذي لا يقدّم للوعي إلا ذاته، وبين الكلمة التي يكون معناها أكثر من مجرد المظهر الذي تتخذه للإحساس» [1].
وقد يكون من هذا الباب كره ابن سنان وابن الأثير لطوال الكلمات في الشعر واستحبابها في القرآن، والقضية لم تكن في الطول بقدر ما تكون في التشكيل الصوتي ومادّته ونغمته.
أما أن الصوت لا يقدّم للوعي إلا ذاته، كما يقول ستولينتز، فهذا لا ينطبق على كلمات القرآن، فهي وعاء للمعنى في البعد الأول، حسب الوضع الاجتماعي، وهو يواكب المعنى في تصوير المطلوب من الأشياء في عملية محاكاة للحدث، فله أحيانا وظيفتان.
ولا بأس أن نستشهد بآية قرآنية، وندع ما قاله الدارسون إلى مكانه من البحث، إذ يقول تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً [2]، ففي كلمة «رخاء» جزئيات الحركة المعنيّة، وتصوير للحدث، وذلك بعيدا عن المعنى، فالصوت هو الذي يوحي الآن، ويرسم الحركة في عملية نطق تحاكي الحدث، فإنّ الضمة على الراء تعني انضمام الشفتين على حرف ليس من حروف اللّين، واستدارة الشفتين تتطلب جهدا، وفي هذا قوّة الريح، ثم يأتي الانتقال من الضمّ إلى الفتح على حرف حلقي ليدعو إلى تصوّر بدء سهولة، وتكثر السهولة في مدّ الألف، فليس هناك انقباض ولا انكماش، بل تدرّج من الصّعب إلى السهل، مما يمثّل طواعية الريح للنبي [1] ستولينتز، جيروم، 1974 - النقد الفني: دراسة جمالية وفلسفية، ط/ 2، تر:
د. فؤاد زكريا، مطبعة جامعة عين شمس، ص/ 84. [2] سورة ص، الآية: 36.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 32