اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 185
يعيروها انتباههم، إلّا ما كان من هؤلاء الثلاثة: ابن سنان وابن الأثير ويحيى العلويّ، وباقي أبواب الفصاحة تكاد توجد في كل الكتب التي تبحث في البلاغة.
وسبب ضالة هذه المادة- فيما نرى- هو ضعف الحجّة عند من يتصدّى للبحث فيها، وثمّة سبب آخر فقد تراءى لهم عيب التعلّق الشكلي غير المجدي بهذا الفنّ، وعدم جدواه في البلاغة القرآنية.
وقد كان يجدر بمن درس طول الكلمات القرآنية التي ذكرناها، أن يهتمّ بالدّلالة الصّرفية، وقيمة الاختزان للمعاني الكثيرة في بنية كلمة واحدة، وأن يلتفت إلى تجسيم شكل الكلمة للمعنى المبتغى، فإن لفظة «سنستدرجهم» توحي بطول المدّة مدة عدم انصياعهم، وخصوصا في صيغة «استفعل» ففيها تصيير لهم، وحركة جعلية متمهّلة، وهذا ما يوحي به توالي المقاطع وتعدّدها مما يجسّم طول فترة الغفلة التي يكون فيها الكافرون، وفي هذا المعنى تقول روز غريب: «والألفاظ التي يشبه لفظها معناها: ذات الأصوات الممتدة التي توحي بالطّول والسّعة، والقصيرة التي توحي بالخفّة والسّرعة، وتلك التي بأصواتها تعبّر عن القوة النّشاط، والهدوء أو الخشية والاضطراب، والألم والعياء، أو النّعومة والتّرف» [1].
ونستطيع أن نتلمّس جمال كلمة «أنلزمكموها» بألا نسير وفق نظرة القدامى، فلا نقف عند عدد حروفها، إلّا فيما يتعلّق بالمضمون، ففيها سمة الاختزان، لأن صيغتها تعني
وجود مفعولين، وكأنّما أضمر هذان المفعولان لموافقة نبرة الغضب التي تتطلّب السّرعة، والمفعولان هما الكفّار والآيات، وكذلك يضمر مفعولان في كلمة «فسيكفيكهم» وكأنّ غرابة استعمال الكلمة على هذا الشّكل يمثّل غرابة الموقف الإلهي من البشر، فإنه عزّ وجلّ لا يجعل الإيمان فعلا قسريا كالتّنفّس والنّوم، مما ينفي إرادة البشر، ويحطّ من كرامتهم، ومن ثمّ يبطل الثّواب، إذ لا ثواب على فعل التّنفّس مثلا، ويكون للتنفس والنوم ثواب إذا قصد بهما مواصلة العبادة، ومن هذا ثواب الطعام الذي يقصد به التقوّي على إقامة العبادة والنّسك الربانية. فالإيمان محض اختيار، [1] غريب، روز، النقد الجمالي، ص/ 91.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 185