اسم الکتاب : دراسات في علوم القرآن المؤلف : محمد بكر إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 357
وهو معجز في تشريعه، وللتشريع كما هو معلوم أحكام وافية بمطالب البشر في كل زمان ومكان، وفي كل حكم من أحكامه ضرب من الإعجاز التشريعي, ويكفي أن نعلم أن هذا التشريع على كثرة قوانينه وفروعه ومسائله يخلو تمامًا من التناقض والاختلاف، والزيغ والانحراف.
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [1]. [1] النساء: 82. القول بالصرفة:
ومن الباحثين من طوَّعت له نفسُه أن يذهب إلى القول بأن وجه إعجاز القرآن هو الصرفة، منهم أبو إسحاق الإسفراييني من أهل السنة، والنَّظَّام من المعتزلة، والمرتضى من الشيعة.
ومعنى الصرفة: أن الله -عز وجل- قد صرف العرب عن معارضته، وكان في إمكانهم لولا ذلك أن يأتوا بمثله.
وقد اختلفوا في فهم هذه الصرفة، فمنهم من يرى أن بواعث هذه المعارضة ودواعيها لم تتوافر لديهم.
ومنهم من يرى أن صارفًا إلهيًّا زهَّدهم في المعارضة, فلم تتعلق بها إرادتهم، ولم تنبعث إليه عزائمهم، فقعدوا عنها على رغم توافر البواعث والدواعي.
ومنهم من يرى أن عارضًا مفاجئًا عطَّل مواهبهم البيانية, وعاق ملكاتهم البلاغية، وسلبهم أسبابهم العادية إلى المعارضة, على رغم تعلق إرادتهم بها، وتوجه همتهم إليها.
"وأنت إذا تأملت هذه الفروض الثلاثة التي التمسوها أو التُمِسَت لهم، علمت أن عدم معارضة العرب للقرآن لم تجيء من ناحية إعجازه البلاغي في زعمهم، بل جاءت على الفرضين الأوَّلَيْن من ناحية عدم اكتراث العرب بهذه المعارضة، ولو أنهم حالولوها لنالوها، وجاءت على الفرض الأخير من ناحية
اسم الکتاب : دراسات في علوم القرآن المؤلف : محمد بكر إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 357