اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت هنداوي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 88
ومثله في الوضوح قوله: [من الطويل] وما أنا وحدي قلت ذا الشّعر كلّه [1] «الشعر» مقول على القطع، والنفي لأن يكون هو وحده القائل له.
وهاهنا أمران يرتفع معهما الشك في وجوب هذا الفرق، ويصير العلم به كالضرورة.
أحدهما: أنه يصحّ لك أن تقول: «ما قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس»، و «ما ضربت زيدا، ولا ضربه أحد سواي»، ولا يصحّ ذلك في الوجه الآخر. فلو قلت:
«ما أنا قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس»، و «ما أنا ضربت زيدا، ولا ضربه أحد سواي»، كان خلفا [2] من القول، وكان في التناقض بمنزلة أن تقول: «لست الضّارب زيدا أمس»، فتثبت أنه قد ضرب، ثم تقول من بعده: «وما ضربه أحد من الناس»، و «لست القائل ذلك»، فتثبت أنه قد قيل، ثم تجيء فتقول و «ما قاله أحد من الناس».
والثاني: من الأمرين أنك تقول: «ما ضربت إلا زيدا»، فيكون كلاما مستقيما، ولو قلت: «ما أنا ضربت إلا زيدا»، كان لغوا من القول، وذلك لأن نقض النّفي ب «إلّا» يقتضي أن تكون ضربت زيدا، وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي، يقتضي نفي أن تكون ضربته، فهما يتدافعان [3]. فاعرفه.
ويجيء لك هذا الفرق على وجهه في تقديم المفعول وتأخيره.
فإذا قلت: «ما ضربت زيدا»، فقدمت الفعل، كان المعنى أنك قد نفيت أن يكون قد وقع ضرب منك على زيد، ولم تعرض في أمر غيره لنفي، ولا إثبات، وتركته مبهما محتملا. [1] البيت للمتنبي في ديوانه (237) من قصيدة يمدح فيها عليّا بن أحمد بن عامر الأنطاكي، وتمامه:
ولكن لشعري فيك من نفسه شعر والمعنى: يقول: أنا ما انفردت بعمل هذا الشعر ولكن شعري أعانني على مدحك لأنه أراد مدحك كما أردته. [2] الخلف: بفتح الخاء وسكون اللام الرديء من القول وبالضم الاسم من الإخلاف وهو أن تعد عدة ولا تنجزها، القاموس/ خلف/ (1042). [3] يتدافعان: تقول تدافعوا: أي دفع بعضهم بعضا، القاموس/ دفع/ (924).
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت هنداوي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 88