اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت هنداوي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 245
التقدير: «ولا تقولوا لنا آلهة ثلاثة- أو: في الوجود آلهة ثلاثة»، ثم حذف الخبر الذي هو «لنا» أو «في الوجود» كما حذف من: «لا إله إلا الله» وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 62]، فبقي «ولا تقول آلهة ثلاثة»، ثم حذف الموصوف الذي هو «آلهة»، فبقي: «ولا تقولوا ثلاثة». وليس في حذف ما قدّرنا حذفه ما يتوقّف في صحّته. أما حذف الخبر الذي قلنا أنه «لنا» أو «في الوجود»، فمطّرد في كلّ ما معناه التّوحيد، ونفي أن يكون مع الله، تعالى عن ذلك، إله.
وأمّا حذف الموصوف بالعدد، فكذلك شائع، وذلك أنه كما يسوغ أن تقول:
«عندي ثلاثة»، وأنت تريد «ثلاثة أثواب»، ثم تحذف، لعلمك أن السامع يعلم ما تريد، كذلك يسوغ أن تقول: «عندي ثلاثة»، وأنت تريد «أثواب ثلاثة، لأنه لا فصل بين أن تجعل المقصود بالعدد مميّزا، وبين أن تجعله موصوفا بالعدد، في أنه يحسن حذفه إذا علم المراد.
يبيّن ذلك أنك ترى المقصود بالعدد قد ترك ذكره، ثم لا تستطيع أن تقدّره إلا موصوفا، وذلك في قولك: «عندي اثنان»، و «عندي واحد»، يكون المحذوف هاهنا موصوفا لا محالة، نحو: «عندي رجلان اثنان» و «عندي درهم واحد»، ولا يكون مميّزا البتّة، من حيث كانوا قد رفضوا إضافة «الواحد» و «الاثنين» إلى الجنس، فتركوا أن يقولوا: «واحد رجال» و «اثنا رجال» على حدّ «ثلاثة رجال»، ولذلك كان قول الشاعر: [من الرجز] ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل [1] شاذّا. هذا، ولا يمتنع أن يجعل المحذوف من الآية في موضع التمييز دون موضع الموصوف، فيجعل التّقدير: «ولا تقولوا ثلاثة آلهة»، ثم يكون الحكم في الخبر على ما مضى، ويكون المعنى، والله أعلم، «ولا تقولوا لنا ثلاثة آلهة، أو في الوجود ثلاثة آلهة».
فإن قلت: فلم صار لا يلزم على هذا التقدير ما لزم على قول من قدّر: «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة»؟.
فذاك لأنّا إذا جعلنا التّقدير: «ولا تقولوا لنا، أو: في الوجود، آلهة ثلاثة، أو [1] الرجز: لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو لشماء الهذلية (خزانة الأدب 7/ 400، 404)، وغير منسوب في (شرح الحماسة للتبريزي 4/ 166). ورواية أبي تمام في الحماسة: «سحق جراب فيه ثنتا حنظل». فذاك: جواب السؤال.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت هنداوي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 245