اسم الکتاب : شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 172
من أمثلة ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10] اختلف في الشاهد هل هو موسى عليه السلام أو عبد الله بن سلام رضي الله عنه (ت43هـ)، فذهب مسروق (ت63هـ) وتبعه الشعبي (ت103هـ) إلى أن الشاهد موسى عليه السلام، وذهب سعد بن أبي وقاص (ت54هـ)، وعبد الله بن سلام نفسه وابنه يوسف وابن عباس (ت68هـ)، وبعض تلاميذ ابن عباس؛ ذهبوا إلى أن الشاهد هو عبد الله بن سلام.
فلو أعملت قاعدة تقديم قول الجمهور، فإنك ستقول: الشاهد هو عبد الله بن سلام.
ولو أعملت قاعدة القول الموافق للسياق، فإنك ستقول: الشاهد موسى، ويؤيده أن الآية في سورة الأحقاف المكية، وسياق الآيات مخاصمة ومحاجة مع كفار مكة، وإيمان عبد الله بن سلام لم يكن عند نزول الآية.
فهذا تنازع قوي بين القواعد، ولهذا تأرجح الطبري رحمه الله تعالى في ترجيحه، وأشار إلى القاعدتين معاً، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ لأن قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش، واحتجاجاً عليهم لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدّم الخبر عنهم معنى، غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أريد به.
فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك، وشهد عبد الله بن سلام، وهو
اسم الکتاب : شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 172