رابعا: التنبيه على وجه من إعجاز القرآن:
وإليه الإشارة بقوله: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ فعبّر بقوله كَذلِكَ أي مثل ذلك التنزيل العجيب الشأن البالغ الغاية في الحكمة والإحكام، ثم تذييل الآية بقوله وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وأصل الترتيل: التنضيد.
وكذلك يشير إليه قوله تعالى في الآية الأخرى: وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا.
بيان ذلك أننا إذا ما لاحظنا أن القرآن نزل مفرقا على حسب أحداث ووقائع لم تكن على ترتيب أو نسق معين ثم قد وضعت كل آية أو مجموعة آيات نزلت في مكان خاص بها من سورة يأمر الوحي بوضع الآية أو الآيات فيها، ويتناول ذلك عدة سور في آن واحد، حتى إن سورة البقرة كانت أول ما نزل من القرآن في المدينة واستمر نزولها يتتابع فكان فيها آخر ما تنزل من القرآن قاطبة، وهي. طول سورة في القرآن.
ثم يقرأ القارئ المتدبر هذا القرآن بعد ذلك فيجد الترابط المحكم والاتساق العجيب وكأن السورة الطويلة أيا كانت لوحة جميلة متناسقة الألوان والظلال والمشاهد، أو بناء محكم الترابط تام التكوين. قال الإمام الشاطبي:
«إن السورة الواحدة مهما تعددت قضاياها فهي تكون قضية واحدة» [1]. أي تدور على موضوع واحد.
مما يدل دلالة قاطعة على أن هذا القرآن تنزيل حكيم عليهم، أحاط علمه بما هو كائن، كما قال تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. [1] الموافقات ج 3 ص 414.