فمنذ البداية كانت العناية بالعلم جزءا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام، وإن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوربا. وإن التقدم الذي تمّ اليوم بفضل المعارف العلمية في شرح بعض ما لم يكن مفهوما أو في شرح بعض ما قد أسيء تفسيره حتى الآن من آيات القرآن، ليشكّل قمّة المواجهة بين العلم والكتب المقدسة».
الأصول العامة لحديث القرآن عن الكون:
فإذا أردنا بعد هذا أن نزداد فهما للقرآن في حديثه عن الكون فتأملنا حديثه هذا وما اشتمل عليه من المعلومات والمعارف فإننا نجد أن هناك أصولا عامة يجب أن تكون نصب أعيننا لدى دراسة الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون، وهذه الأصول هي:
1 - إن القرآن الكريم لم يتخذ العلوم الكونية موضوعا من موضوعاته الأساسية، بل كان غرضه الأكبر هو هداية الناس. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. فهو لم يضع نظريات في العلوم، وليس يرفع من قدره أن يفعل ذلك، لأن هذه العلوم إذا خلت من الهداية تحولت إلى نقمة تحقيق بالإنسانية.
كما هو مشاهد لنا على مستوى الأفراد والجماعات والدول، فحسب القرآن أن ينشئ المجتمع الفاضل، لكنه في الوقت نفسه قد أرسى أسس تقدم العلم بما رسخ من مفاهيم صحيحة، وأبطل من أفكار زائغة.
2 - إن العلوم الطبيعية خاضعة للتدرج يوما بعد يوم فترك القرآن بحث النظريات العلمية ابتلاء للناس كما ترك غيرها من الوسائل الحيوية والمهن والصناعات والحرف ليترك المجال مفتوحا وليستحق كل بما يقدمه. وقد وقف القرآن من هذه العلوم موقف المؤيد الموافق لها فأمر بها وحض الناس على النظر في مظاهر الكون وما تكنه من أسرار ودلائل مما أودعه الخبير القدير من أعاجيب الخلق والتكوين، وبيّن القرآن أن حقائق هذا الكون فيها عبرة للعقلاء