ذلك الله رب العالمين، فهو الذي لا يشغله شأن عن شأن، وهو القادر على أن يخاطب العقل والقلب معا بلسان، وأن يمزج الحق والجمال معا يلتقيان ولا يبغيان، وأن يخرج من بينهما شرابا خالصا سائغا للشاربين، وهذا هو ما تجده في كتابه الكريم حيثما توجّهت، ألا تراه في فسحة قصصه وأخباره لا ينسى حق العقل من حكمة وعبرة؟.
أولا تراه في معمعة براهينه وأحكامه لا ينسى حظ القلب من تشويق وترقيق، وتحذير وتنفير، وتهويل وتعجيب، وتبكيت وتأنيب؟ يبث ذلك في مطالع آياته ومقاطعها وتضاعيفها: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ. إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ.
الوجه الخامس: تآلف الألفاظ والمعاني:
التآلف في الألفاظ هو ألا تكون بينها ثغرة في المخارج، ولا في النغم بل تتآلف وتتآخى في نسق واحد.
ويقول الإمام أبو بكر الباقلاني في هذا: «واعلم أن هذا علم شريف المحل عظيم المكان، قليل الطلاب، ضعيف الأصحاب، ليست له عشيرة تحميه، ولا أهل بيت عصمة تفطن لما فيه، وهو أدقّ من السحر وأهول من البحر، وكيف لا يكون كذلك وأنت تحسب أن وضع الصبح في موضع الفجر يحسن في كل كلام إلا أن يكون شعرا أو سجعا، وليس كذلك، فإن إحدى اللفظتين قد تنفر في موضع وتزلّ عن مكان لا تزل فيه اللفظة الأخرى، بل تتمكن فيه وتضرب بجرانها، وتراها في مكانها، وتجدها غير منازعة في أوطانها، وتجد الأخرى لو وضعت في موضعها لكانت في محل نفار، ومرمى شرار، ونابية عن استقرار ... » [1].
وأما التآلف في المعاني: فهو ألا يكون معنى لفظ نافرا من المعنى الذي بليه، وأن تتآلف الألفاظ والمعاني: وما تثيره من الصور والأخيلة، وما [1] إعجاز القرآن ص 280.