كبيرهم وصغيرهم، دانيهم وقاصيهم لتقويم العوج وتصحيح النص.
ويحاربون لأجله، ويجاهدون في سبيله، لا سيما وأن إعداد نسخة المصحف التي أريد أن تكون مرجعا للناس، التي أعدت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم نسخ
المصاحف عنها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه كان ذلك كله باطلاع المسلمين كلهم، ومراجعة كل من عنده علم بشيء من كتاب الله تعالى، الأمر الذي يوقن به كل عاقل بأن نص القرآن الموجود هو طبق الوحي الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكما هو في اللوح المحفوظ، يتعبد به المسلمون ربهم، ويتشرف به القارءون، ويهتدي به العالم [1].
سادسا: على أنه لو كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يعلم أن في القرآن الكريم الذي نشره عثمان في الأمصار إسقاطا، أو تغييرا ما، لما أمكن أن يتجاوزه أبدا، ولما جاز له أن يشتغل وهو خليفة آلت إليه أمور المسلمين لمدة ست سنوات تقريبا يشتغل بمقاتلة من خالفوه في السياسة عن تصحيح القرآن ومقاتلة الذين رضوا بتحريفه وتبديله. فكيف وهو لم يفعل شيئا من [1] وليست القضية كما زعم بعضهم: «أن المعارضة لا يمكن أن تترك هذه الفرصة تمر، دون أن تستغلها في صراعها مع العهد والخليفة، مع أننا لا نجد إشارة إلى ذلك في كلامهم» انتهى.
وهذا زعم عجيب جدا، ناشئ عن الخطأ العظيم في فهم مجتمع الصحابة الذين نزع الله الغلّ من صدورهم، وكانوا إخوانا متحابين، لا سيما في عصر الراشدين، أو هو قياس غريب على الأوضاع السياسية الحاضرة التي فيها أحزاب حكومة وأحزاب معارضة.
وإلا فإن المعارضة في عهد الشيخين أبي بكر وعمر وكذا في عهد عثمان لا وجود لها إلا في خيال هذا القائل الواهم.
ومما يدل على ما نقول أنه لولا أن الكلمة مجتمعة عند الصحابة كلهم على كتاب الله بأقصى تقديس وغيرة لما كان بوسع المعارضة المزعومة في كلام هذا القائل أن تفعل شيئا. فدلّ كلام هذا القائل نفسه على أن القضية هي قداسة القرآن، والحفاظ عليه، والإجماع على العمل به وبسنّة النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة جميعهم، والأمة كلها في عهد الراشدين ومن بعدهم، وإلا فلا سلطان بل لا وجود لمن خالف ذلك، فلا يمكن أن يطرأ على القرآن تغيير قط.