عظيمة من مناقبه وفضائله الجمة رضي الله عنه، أثنوا عليها وأشادوا بها، لكونه أول من جمع القرآن، أي هذا الجمع العظيم الموثق، وحسبنا في ذلك ما ثبت عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله» [1].
جمع القرآن بنسخ المصاحف على عهد عثمان رضي الله عنه:
إن ما يميز السياسة الراشدية نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجلها المؤرخون قديما وحديثا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة ماضية آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت [2]، فقد استجد في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ما يوجب نشر هذا المصحف وتعميمه على الآفاق ليحقق الغاية التي جمع لأجلها واستغرق تلك الجهود والأوقات.
أخرج البخاري [3] عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وآذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن [1] أخرجه ابن أبي داود في المصاحف. والمراد أنه أول من جمع كتاب الله الجمع الموثّق باطلاع جميع المسلمين عليه، لما علمنا بالأدلة القاطعة الثبوت أن الصحابة كان عندهم القرآن مكتوبا. [2] نذكر هنا بمواقف الصحابة من رواية الحديث لما برز قرن الفتنة وظهر الكذب وكيف واجهوا الموقف بأحكم الوسائل العلمية في المحافظة على الحديث النبوي، كما فصلناه في كتابنا منهج النقد في علوم الحديث ص 55 - 57 محققا بالأدلة الثابتة. [3] ج 6 ص 183 - 184.