وقد أحسّ جولدتسيهر بهذا الضعف الخطير، فراح يستره بما هو أعظم، فادعى أن شرط صحة الرواية لا يحد من حرية القراءة، لأنه ليس عسيرا- في زعمه- أن يسند المرء قراءته إلى ثقات معترف بهم فتحرز قراءته القبول» [1].
وهذا الزعم من تسيهر يكشف عن جهله بحقائق نقل القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم وحقائق مصطلح الحديث، أو تجاهله المتعمد لهذه الحقائق كلها، فإنه ليس يصح الحديث بمجرد الادعاء ونسبة القراءة أو الرواية إلى ثقة معرف به، بل هناك شروط الراوي ومنها العدالة والضبط، وهناك شروط سلسلة السند، وهناك السلامة من الشذوذ والعلة، وما في ذلك من تفاصيل تجعل من المتعذر حصول الاعتراف بقراءة أو رواية غير ثابتة على الحقيقة.
فضلا عن أن حقيقة المطلوب في القراءة المقبولة هو التواتر كما حققناه، لذلك لا تقبل قراءة رجل انفرد بها عن أهل بلده، كما هو متفق عليه في هذا العلم.
2 - لو كان ثمة تسامح في القراءة وفق رسم المصحف من غير توقيف على التلقي لوجب أن يكون عدد القراءات كثيرا كثرة تبلغ أضعافا هائلة بالنسبة للقراءات الثابتة التي دققها العلماء وحققوا صحة سندها وتواترها، وقد اعترف جولدتسيهر نفسه بقراءات يسمح بها الخط، لكنها اعتبرت عند العلماء منكرة، مثل قراءة تستكثرون في قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 248].
ومثل قراءة حماد الرواية أَباهُ عوضا عن إِيَّاهُ في قوله تعالى:
وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ [التوبة: 114].
ولو كان مجرد موافقة الخط كافيا لاعتمدت هذه القراءات ... ، وحسبنا [1] مذاهب التفسير الإسلامي ص 8.