فإن كانوا صادقين في إيمانهم بالتوراة فواجب أن يقروا بالنسخ، ويؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنهم يكونون مكذبين للتوراة نفسها.
التأليف في الناسخ والمنسوخ:
هذا ولأهمية هذا العلم فقد عني به العلماء في تفاسيرهم، وفي كتب أحكام القرآن، فبينوا ما وقع من النسخ في بعض الآيات، بل أفرده بالتصنيف في كتب خاصة خلائق لا يحصون كما قال السيوطي [1]، منهم أبو عبيد القاسم بن سلّام، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس وابن الأنباري وابن العربي، ومكي ابن أبي طالب وآخرون».
إلا أنا ننبه إلى أنه وقع توسع كثير من بعض العلماء في النسخ، فقالوا بنسخ آيات كثيرة لا دليل على نسخها، وكثير من ذلك من باب التخصيص لا النسخ.
ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. ادّعي في هذه الآية وأمثالها أنها نسخت بآية فرض الزكاة. وليس ذلك بسديد لأن الآية عامة في النفقات الواجبة
والمندوبة والمباحة، وهي بهذا لا تعارض آية فرض الزكاة، فمن أين يأتي النسخ؟!!.
ومن أشهر الأمثلة وأهمها ادعاء أن آية السيف أي وجوب الجهاد قد نسخت: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ونحوها من الآيات كما نجده في تفسير الجلالين.
وليس ذلك مقبولا، لأن آية الجهاد والشدة في حال علاقات الحرب، والآيات الأخرى تأمر بالإحسان ومكارم الأخلاق في حال السلم فكل من الآيات خاص بوقته المناسب له، وليس ذلك من النسخ.
وغير ذلك مما يوجب التنبه والتحقق في هذا الأمر الخطير. [1] الإتقان ج 2 ص 20.