حصول ما يسمى في اللغة غسلا، فإذا حصل- أي ما يسمى غسلا- كفى لأداء الواجب. وهو إنصاف واضح واعتماد دقيق على أصول فن التفسير وتطبيقها.
ولاعتناء القرطبي بالاستنباط نجده يلتفت لفوائد لا يذكرها غيره، ومن ذلك قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ... قال القرطبي في الآية [1] «دليل على أنه- أي المهر- في مقابلة البضع، لأن ما يقابل المنفعة يسمى أجرا. وقد اختلف العلماء في المعقود عليه في النكاح ما هو؟ بدن المرأة أو منفعة البضع أو الحلّ- أي حلّ الاستمتاع- ثلاثة أقوال، والظاهر المجموع، فإن العقد يقتضي كل ذلك».
ومن غاية إنصاف القرطبي وسموّه رفضه النيل من أئمة الإسلام وإن وقع ذلك من بعض أعلام مذهبه، مما يعطي أهل العلم درسا في ذلك [2].
وهكذا جاء تفسير «الجامع لأحكام القرآن» جامعا كاسمه لفنون اللغة والعلوم التي يحتاج إليها المفسر مسبوكة بأسلوب واضح وترتيب جميل وتقسيم ميسر، مما جعل هذا التفسير من أجلّ كتب التفسير وأعظمها نفعا وأكثرها تداولا في هذا العصر. [1] ج 5 ص 129. لكن قوله «إن المهر في مقابلة البضع ... » غير مسلّم، لأن الاستمتاع مشترك بين الزوجين، وسمي المهر أجرا لتأكيد لزومه وإلا فهو عطية مبتدأه للمرأة، قال تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً أي عطية مبتدأة ليست في مقابل شيء. [2] انظر ما سبق ص 107 تعليقا.