ولا يحتاج هذا الأمر إلى دراسات مذهبية، ولا فلسفات فكرية، بل يصل إلى الاقتناع بها الكبير والصغير، والعالم والجاهل؛ لأنها من واقع الحياة، ومن ممارسات الإنسان، ولا تختلف فى ذلك عقائد، أو نحل، ولا ينكرها إلا كل مكابر، يرى ضوء الشمس، فيعمى عن النظر، ويرى الحقائق، فيغض الطرف عنها.
اعتمدت هذه الأمثال على مشاهد من الطبيعة الواقعة تحت أبصار الناس، من زرع، ونبات، وريح، وكلها مشاهد تولد فى النفس اليقين، وتعين على التبصر فى الأمر، والاقتناع بالنتائج، وقد أضيف إلى ذلك مسلك آخر فى الاعتبار، وهو ما حل بالسابقين من تجارب، وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إبراهيم: 45]، وهو مثل حى مبسوط أمام الأعين، لا يغيب عن أنظار الناس، يعطى دلالته فى كل لحظة، والعاقل من اتعظ بغيره، وهو يقوم على عرض بعض القصص، كما فى قصة أصحاب الجنة.
إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ [القلم: 17 - 32]، حرمهم الله من ثمارها، فرجعوا على أنفسهم باللوم، والاعتراف بالخطيئة.
وكذلك قصة صاحب الجنتين مع صاحب له من ذوى الإيمان الأول تبطره النعمة وينسى الله، ويعتقد أن ماله أخلده، والثانى معتز بإيمانه، ذاكر لربه، يرى النعمة دليلا على المنعم، وموجبة لحمد الله وشكره: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ