4 - يحمل أيضا القرآن الكريم فى طياته منهجا كاملا يعالج الزمان والمكان، ويصلح من شأن العباد فيهما، ويصلح أمر الدنيا والآخرة بما يحويه من قيم وأوامر، وما يضعه من تعاليم صالحة للتطبيق فى كل حين: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42].
هذا قليل من كثير من جوانب الإعجاز القرآنى الذى تحدى به العرب وغيرهم من حيث المحتوى الذى أفحم المفكرين على اختلاف العصور، فكيف يتأتى لمحمد صلى الله عليه وسلم فى تلك الفترة القصيرة التى دعا فيها إلى الإسلام أن يبتكر وتظهر هذه التشريعات التى تناولت جميع مجالات الحياة سياسية، واقتصادية، وتربوية، وعقائدية، وتشريعية، لا تقتصر على وقت معين، أو تهتم بجيل خاص، وإنما تصلح لجميع الأزمان، والأمكنة، ولجميع الأجيال التى تختلف فى تفكيرها، وعلومها، وقدراتها، بتلك الأحكام الضابطة لأمور الدنيا والآخرة جميعا لا تتغير؛ لأنها من وضع العليم الخبير الحكيم.
مظاهر التيسير فى القرآن:
1 - نسب الله سبحانه وتعالى إلى ذاته القدسية فضيلة التيسير، فقال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر: 17]، وذلك للترغيب فى قبول ما يأتى به من شرائع يسودها الرفق، والرحمة، واليسر، وفى كثير من مظاهر العبادات التى فرضت على الإنسان، فهو الرحيم بعباده، ولا يكلف نفسا إلا وسعها.
2 - كانت الحماية من لدنه لقرآنه من التحريف والتبديل الذى لحق بالكتب التى أنزلت على موسى، وعيسى، عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، والحماية له أيضا من الضياع بالنسيان والغفلة، فقد يسر حفظه لكل راغب، وقراءته وتلاوته فى كل وقت لكل قاصد.
3 - كان الرسول يتلوه، ويقرؤه، ويكرره مرات ومرات، فى ليله ونهاره، فى صلاته وسجداته، ويحب أن يسمعه من غيره؛ تنشيطا للهمم، وحفزا لأصحابه، وإثارة للعلم والتعليم فى نفوسهم.
4 - بالإضافة إلى أنه يطبق القرآن فى حياته كمنهج للحكم يسير عليه المؤمنون فى حياتهم، ويحكم به المجتمع فى تآلفه وارتباطاته، وتدعى إليه الأمم والشعوب الأخرى فى تعاملاتها وتعاقداتها، وتصاغ على هدى تعاليمه سياسة الأمة الإسلامية، وتحكم بمقتضاها شعوبها من قبل الحكام.
أليس فى ذلك مظهر من مظاهر التيسير للذكر والتذكر، والحفظ والانتفاع بالفهم