وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13].
فالدين واحد، وهو لا يمكن أن يكون إلا كذلك، ما دام المصدر واحدا، وهو الله، والهدف منه واحد، وهو عبادة الله بعمل الصالحات فى هذه الدنيا، هذه الحقيقة الناصعة البسيطة هى ما يقررها الإسلام فى هذه الآية التى نحن بصددها وفى غيرها من الآيات، فوعاها المسلمون كل الوعى، وجهلها أتباع اليهودية والنصرانية، ومن هنا يتفوق الإسلام على سائر الأديان، إذ يعترف بها كلها، ويلقن المسلمين أحسن ما فيها كلها وهو جوهرها، عبادة الله الواحد الأحد، والعمل الصالح فى الدنيا، ليتلقى الجزاء الحسن على ذلك فى الآخرة.
فشل الاستشراق والتبشير بين المسلمين: ومن هنا فشلت كل وسائل الاستشراق والتبشير فى تحويل مسلم واحد من الإسلام إلى النصرانية أو اليهودية، فالمسيح، وإبراهيم، وموسى، ويعقوب، وإسحاق، كل هؤلاء رسل الله، وحملة الوحى الإلهى، وأيا ما قاموا به من معجزات وخوارق، فقد فعلوه بإذن الله لخدمة الله.
لا يكمل إيمان اليهودى أو المسيحى إلا بإيمانه بمحمد: وقد وهم أقوام، فتصوروا أن اليهود والنصارى سواء بسواء والمسلمين، آمنوا بسيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، أم لم يؤمنوا، ما داموا يعلمون الصالحات، ونقول: إن الإيمان بسيدنا محمد هو الشرط الأساسى لكمال الإيمان؛ لأنه إذا كان من المتصور عقلا للملحدين الذين ينكرون الأديان جملة؛ لأنهم ينكرون الله، والوحى، والبعث، والحياة الأخرى، فإنه من غير المتصور أن ينكر مؤمن بكل هذا نبوّة سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، والتى لم تخرج رسالته عن هذا الإطار.
ب- من غير المنطق الإيمان بالوحى ثم الكفر بمحمد ([1]):
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء: 150]، لا يجب أن يبرح الذهن أن القرآن الكريم قد نزل فى المناسبات لمواقف معينة محدودة، ومع ذلك، فإن آياته تظل تتحدث إلى أبد الآبدين عن أحداث عامة تتكرر على اختلاف الزمان والمكان، فهذه الآية على سبيل المثال، تتحدث عن يهود المدينة على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يزعمون أنهم يؤمنون [1] نشر فى مجلة منبر الإسلام، عدد رمضان سنة 1400 هـ.