الأولاد والنساء، فيكون ذلك فى حق البالغين عقابا، وفى حق الصبيان والنساء لا يكون عقابا، بل يكون جاريا مجرى إهانتهم، وإيصال الإيلام إليهم، ومعلوم أن شفقة الإنسان على أولاده شديدة جدا، وربما جعل الإنسان نفسه فداء لهم، وإذا كان كذلك فهو، عليه الصلاة والسلام، أخذ صبيانه ونساءه معه، وأمرهم بأن يفعلوا مثل ذلك، ليكون أدعى للخصم إلى قبول الحق، وأبلغ فى الزجر عن المخالفة، وأقوى فى تخويفهم، وأدل على وثوقه، عليه الصلاة والسلام، بأن الحق معه. انتهى.
عيسى عبد الله ورسوله:
ثم يأتى بعد ذلك قوله سبحانه: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 62].
ونرى فى صدر هذه الآية الكريمة، أن ما قصه الله تعالى فى شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله، هو الإخبار الصحيح، والقول الحق، دون ما ادعته النصارى، من أنه ابن الله تعالى والله سبحانه أبوه، ونرى فى قوله تعالى: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ نفى الإلهية فى عموم واستغراق عن غير الله تعالى وإثباتها له وحده، جل جلاله، وعظم شأنه. ثم يأتى ختام الآية: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لنرى فيه ردا قويا على إلهية عيسى، وإلزاما لا مفر منه بأنه عبد الله ورسوله، وبيانه كالآتى:
إن تعريف كل من المسند والمسند إليه وتوسيط ضمير الفصل بينهما، يفيد الحصر والتخصيص، ويدل على انتفاء القدرة التامة، والحكمة البالغة عن عيسى، عليه السلام، فالنصارى لما اعتمدوا فى زعمهم إلهية عيسى، عليه السلام، على قدرته على إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وعلى إخباره بالمغيبات من أحوالهم، أجاب الله تعالى عن هذه الشبهات بأن هذا القدر من القدرة لا يكفى فى الإلهية، بل لا بدّ أن يكون القادر عزيزا غالبا لا يقهر، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى، عليه السلام، ما كان كذلك، بل قلتم إن اليهود قتلوه، وأيضا فإن ما فيه من علمه بالمغيبات وإخباره عنه لا يكفى أيضا فى إلهيته، بل لا بدّ أن يكون العالم حكيما، أى عالما بجميع المعلومات، وبجميع عواقب الأمور، فقوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ باعتبار دلالته على أن عيسى، عليه السلام، بمعزل عن القدرة التامة، والحكمة البالغة، فهو جواب عن شبهة النصارى واستدلالهم بقدرته على إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وبعلمه