قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [1].
وفى هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتى بشيء من جنسه لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعانى النافعة فى الدنيا والآخرة لا يكون إلا من عند الله الذى لا يشبهه شىء فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين فهذا القرآن لا يكون إلا من عند الله.
قال تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [2].
وكان القرآن ينزل على النبى صلّى الله عليه وسلم منجما بعضه فى إثر بعض والنبى صلّى الله عليه وسلم يتلقاه بروحه وجوارحه معا، فكان قرآنا يمشى على الأرض وكان خلقه القرآن، وكذا تلقاه الجيل الأول من أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم ف (كان الرجل منهم إذا تعلم عشر آيات من كتاب الله لا يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ) [3].
وقد ثبت أن «عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أخذ فى تحصيل سورة البقرة ثمانى سنين يتعلمها بأحكامها ومعانيها وأخبارها فكذلك طال مكثه فيها» [4].
ففتح الله لهم آفاقا من الفهم والمعرفة لم تكن لتفتح لهم لو أنهم قصدوا إلى كتاب الله بقصد القراءة أو الحفظ فحسب فهذا القرآن لا يمنح كنوزه ودرره إلا لمن يقبل عليه بهذا الشعور وبهذه الروح شعور التلقى للتنفيذ وروح المعرفة المنشئة للعمل [5].
وكان لهذا المنهج- منهج التلقى والتعليم للتنفيذ والعمل- أكبر الأثر فى فهم هذا [1] الإسراء: 88. [2] النساء: 82. [3] ذكره ابن كثير (بسنده) عن ابن مسعود (ج 1 ص 4). [4] رواه مالك فى الموطأ (ج 1 ص 205) وذكره ابن عبد البر فى الاستذكار (ج 8 ص 91)، وفى الطبقات لابن سعد عن ميمون أن ابن عمر تعلم سورة البقرة فى أربع سنين. [5] من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.