ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أى أستنجد بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرنى فى دينى أو دنياى، أو يصدنى عن فعل ما أمرت به، أو يحثنى على فعل ما نهيت عنه).
وإن المتأمل للقرآن والسنة يجد اعتناءهما بذكر التحذير من الشيطان وكيده والعمل على محاربته كثيرا وذلك لشدة الحاجة إلى التعوذ منه عند قراءة القرآن وغيره من سبل الخير التى يسلكها الإنسان، فالشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها، فما من طريق خير إلا والشيطان قاعد عليه يقطعه على السالك ويثبطه عنه ويفسده عليه، وما من طريق سوء إلا والشيطان قاعد عليه يأمره به ويحثه عليه ويزينه فى عينه والمعصوم من عصمه الله تعالى.
وفى الاستعاذة قول كثير انتشرت فروعه فى علم أصول الفقه وأصول الحديث وأصول القراءات. فأما أصول الفقه فيبحث فيها عن التعوذ من حيث أن الأمر به فى الآية. هل هو للوجوب أم الندب؟ وهل الآية واضحة الدلالة فيتعين لفظها أم مجملة فيصلح كل لفظ يدلّ على التعوذ؟
وأما أصول الحديث فيبحث فيها عن درجة الأحاديث الدالة على التعوذ وعن سندها وحال رواتها.
وأما أصول القراءات فيبحث فيها عن التعوذ من حيث الجهر به والإخفاء ومن حيث الوقف عليه أو وصله بما بعده.
وفيما يلى أوجز أرجح الأقوال وعلى الله الاتكال:
أولا: فمن حيث التعوذ فى الآية، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه أمر ندب- أى استحباب- وليس بواجب [1]. [1] الواجب شرعا: هو طلب الشارع الفعل على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يذم تاركه ومع الذم العقاب، ويمدح فاعله ومع المدح الثواب والواجب هو الفرض عند الجمهور.
الندب: هو طلب الشارع الفعل على سبيل الترجيح لا الإلزام بحيث يمدح فاعله ويثاب، ولا يذم تاركه ولا يعاقب. (انظر الوجيز فى أصول الفقه ص 29).