اسم الکتاب : في علوم القرآن دراسات ومحاضرات المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 98
ولقد قلنا إن العبرة في تلقي القرآن إنما هي المشافهة، وما الكتابة والتسجيل سوى عاملين مساعدين في الحفظ والضبط. ومع ذلك فهناك حاجة ملحة إلى طبع القرآن الكريم وفقا لقواعد الإملاء الحديثة.
ولقد وقفت دون تعديل الرسم العثماني قداسة أضفيت على هذا الرسم، إلى حد أن بعض العلماء قال إنه توقيفي، أي بوحي من الله. وكان هذا القول منهم مغالاة في تقديس الصورة التي كتب بها المصحف في عهد عثمان. ولو كانت هذه الكتابة توقيفية لتشابهت من كل جهة في خطوط كتاب الوحي، وهو ما لم يقل به أحد. ولعل هذا التقديس لصورة الكتابة جاء خوفا من أن يقع تحريف في النقل، أو أن يكتب بصورة يعتريها التغير بعد فوات عصرها، فيكون العدول عن الرسم العثماني أمرا يؤدي إلى تغيير صورة اتفقت عليها كلمة الصحابة في عصر عثمان، وليس يؤدي إلى وضع رسم ثابت له قداسته، يبقى القرآن الكريم مسجلا به، من غير أن يمس هذا التسجيل المتفق عليه أي تغيير. وقد اختلف في جواز كتابة المصحف بما استحدث من الهجاء، وكانت الآراء كلها اجتهادا من أصحابها.
وليس منها ما بني على وحي أو نص.
وممن أباح مخالفة الرسم العثماني القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الانتصار، حيث يقول: «وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يأخذ على كتّاب القرآن، وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم، وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف. وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحدّ محدود لا يجوز تجاوزه. ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه. ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية، بل السنّة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحدا عن كتابته. ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم يكتب الكلمة على مخرج اللفظ ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال. ولأجل هذا بعينه
اسم الکتاب : في علوم القرآن دراسات ومحاضرات المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 98