اسم الکتاب : لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - كتاب المؤلف : السامرائي، فاضل صالح الجزء : 1 صفحة : 6
مفتوحاً للنظر، لمن يأتي بعدنا في المستقبل ولِمَا يَجِدُّ من جديد. وسيجد فيه أجيالُ المستقبل من ملامح الإعجاز وإشاراته ما لم يخطر لنا على بال.
وأضرب مثلاً لتعدد نواحي الإعجاز، فإني سمعتُ وقرأت لأشخاص مختصين بالتشريع والقانون، يُبَيِّنون إعجازَ التشريع القرآني، ويبينون اختيارات الألفاظ التشريعية في القرآن ودقتها في الدلالة على دقة التشريع ورفعته ما لا يصحُّ استبدال غيرها بها، وإن اختيار هذه الألفاظ في بابها أَدقُّ وأعلى مما نُبيِّنُ نحن من اختياراتٍ لغوية وفنية وجمالية.
وقرأتُ وسمعت لأشخاص متخصصين بعلم التشريح والطب في بيان شيء من أسرار التعبير القرآني من الناحية الطبية التشريحية ودقتها يفوق ما نذكره في علم البلاغة. فألفاظهُ مختارة في منتهى الدقة العلمية. من ذلك على سبيل المثال أن ما ذكره القرآن من مراحل تطور الجنين في الرحم هي التي انتهى إليها العلمُ مما لم يكنْ معروفاً قبل هذا العصر مما دعا علماء أجانب إلى أن يعلنوا إسلامهم. وليس ذلك فقط؛ بل إن اختيار تعبير (العلقة) و (المضغة) - مثلاً أعجب اختيار علمي.
فاختيار التعبير بـ (العلقة) اختيارٌ له دلالته، فإن المخلوق في هذه المرحلة أشبه شيء بالعلقة، وهي الطفيلية المعروفة. وكذلك التعبير بـ (المضغة) ، فالمضغة كما قرأنا في كتب التفسير، هي القطعة من اللحم قدر ما يمضغ الماضغ. ولكن لاختيار كلمة (مضغة) سببٌ آخر، ذلك أن (المضغة) هي قطعة اللحم الممضوغة أي التي مضغتها الأسنان، وقد أثبت العلمُ الحديث أن الجنين في هذه المرحلة ليس قطعة لحم عادية بل هو كقطعة اللحم التي مضغتها الأسنان، فاختيار لفظ (المضغة) اختيارٌ علمي دقيق. إنه لم يقل "قطعة لحم صغيرة" ولو قال ذلك لكان صواباً ولكن قال: (مضغة) لِمَا ذكرتُ ورُبَّما لغيرهِ أيضاً، والله أعلم.
اسم الکتاب : لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - كتاب المؤلف : السامرائي، فاضل صالح الجزء : 1 صفحة : 6