للرسالات، والقرآن الكريم هو الحجة الإلهية الخاتمة على الإنسان. ومن ثم عني المسلمون بتبليغ وحي السماء إلى الناس كلهم في أرجاء الأرض كلها، قياما بأمانة البلاغ وتحقيقا لمقام الشهادة على الناس.
- ولكن الناس مختلفة ألسنتهم، متباينة مناطقهم، فكيف يخاطبون من ليسوا من العرب بالقرآن العربي؟
- إن كثيرا ممن دخل في الإسلام من الأعاجم جدّوا في درس العربية لغة القرآن حتى مهروا فيها، وأصبح بعضهم أئمة في اللغة العربية، ولكن بقيت طوائف كثيرة منهم لم يتعرّب لسانهم، بل هم قائمون على ألسنتهم الأصيلة لعدم قدرتهم على ضبط اللسان العربي، ومن هنا نشأت الحاجة إلى ترجمة معاني القرآن الكريم.
- ومن المعلوم بداهة وضرورة أن الترجمة الحرفية اللفظية للقرآن الكريم، بترجمة نظمه من لغته العربية إلى لغة أخرى تحاكيه حذوا بحذو، بحيث تحل مفردات الترجمة محل مفرداته، وأسلوبها محل أسلوبه، غير ممكنة ومستحيلة، وإن كان المترجم أبين أهل لغته وأقدرهم عليه وأبصرهم بأسرارها ودقائقها.
- وذلك لأن القرآن آية صدق محمد عليه الصلاة والسلام على أنه مرسل من ربه، فكان معجزته البيانية التي تحدى الله سبحانه بها أمراء البيان وفرسان الكلام، ولكنهم حاروا، واستعجمت ألسنتهم أن يعارضوا القرآن ويحاكوه، وقد بلغت الحجة بالقرآن الكريم مبلغها حيث لم تسجل حالة واحدة تحاكي القرآن وتعارضه.
- فترجمة القرآن الحرفية- إن قدر عليها، ولا يقدر عليها أحد- تضع من خواص القرآن الأسلوبية المعجزة، وتطمس معالم البلاغة الرفيعة فيه، وتبطل سيلا من المعاني المستودعة في الكلمات القرآنية العربية، وبذا تبطل أهم مناحي التحدي والإعجاز بكتاب الله الكريم.
- أما الترجمة الممكنة فهي الترجمة التفسيرية المعنوية للقرآن الكريم، والتي هي شرح وبيان لبعض معاني كلام الله سبحانه بلغة أخرى، بحسب قدرة المترجم وبيانه في الإفصاح عن معاني القرآن الكريم، بل بحسب فهمه هو لمعاني كلام الله سبحانه. فالترجمة بهذا الحد جائزة ممكنة، وهي على هذا من قبيل تفسير القرآن ولكن بلغة أخرى.
- حركة الترجمة التفسيرية كانت مبكرة جدا، ففي المبسوط للسرخسي أن