اسم الکتاب : من بلاغة القرآن المؤلف : بدوي، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 40
الدّين، ألا تراه فيها يدعو الكاتب إلى أن يكون عادلا فيما يكتب، مذكرا إياه بأن معرفته الكتابة منة من الله عليه، يجب أن تقابل بالشكر، ومن شكرها أن يكتب كما يجب، قال تعالى: وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ (البقرة 282).
ويذكّر من عليه الحق بأن يتقى الله، وهو يملى ما عليه من دين وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً (البقرة 282). ويتكئ على غريزة التملك، عند ما تحدث عن الحكمة في كتابة الدّين، إذ كتابته تحفظ المال، وتبعد الريب عن النفس في قيمته، قال سبحانه: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا (البقرة 282). وعند ما حذرنا أن نضر الكاتب والشهيد، ذكرنا بأن الإضرار بهما فسوق، لا يرضاه الله.
وانتهت آية الدّين بتذكيرنا بأن الله عليم بكل شىء، يعلم ما فيه الخير لنا فيأمرنا به، ويكون النجح في القيام به.
وختم القرآن حديثه عن أحكام الميراث بقوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) (النساء 13 - 14)، وفي ذلك كما ترى إثارة عامل الخوف والرجاء. وفي استدلالات القرآن تجد فيها تلك الإثارات الوجدانية أيضا، واقرأ قوله تعالى مبرهنا على وحدانيته: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) (الأنبياء 21 - 29). فهو يثير في النفس إجلال الله بتلك الصفات التى سيقت له، وانفرد بها، فهو رب العرش، لا يسأل عما يفعل ولا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، وهم من خشيته مشفقون، وذلك كله مما يسند الإيمان بوحدانيته. وقبل أن أختم هذا الفصل، أريد أن أقف قليلا عند تلك الآيات التى قد يبدو فيها أنها تبعث إثارات جسمية، من مثل قوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ
اسم الکتاب : من بلاغة القرآن المؤلف : بدوي، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 40