روى أبو عمرو الداني عن أشهب، قال: سئل مالك رحمه الله: هل بكتب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى، وسئل مالك مرة أخرى عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف:
أترى أن تغير من المصحف إذا وجدوا فيه ذلك؟ فقال: لا:
وذهب أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك [1].
وليس يعنينا هنا، أن نعرض لتحقيق الحكم الشرعي في هذا الأمر، خصوصا في مجالات التعليم والتدريس، إنما الذي نقصد إليه هو أن نتأمل في مدى الحيطة والشدّة العجيبتين اللتين صين بهما القرآن خلال تاريخ وصوله إلينا.
أما الظاهرة الثانية:
فقد دخلها التطوير. والتحسين فيما بعد، كما نجد أثر ذلك في رسم المصاحف في عصرنا هذا.
وأصحّ ما قيل عن تاريخ أول طور تحسيني دخل رسم القرآن، أنه كان في عهد التابعين في منتصف القرن الأول للهجرة، وأصحّ ما قيل فيمن باشر ذلك أنه أبو الأسود الدؤلي الذي توفي عام تسع وستين. فقد أجمعت روايات الثقات- كما يقول المرحوم مصطفى صادق الرافعي- على أن أبا الأسود الدؤلي هو أول من وضع النحو بإشارة من علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
ولعلك تقول: فما علاقة وضع النحو بتحسين رسم القرآن، وهل يلزم من أن أبا الأسود الدؤلي هو الواضع للنحو أن يكون هو أول مباشر لتحسين الرسم القرآني؟
والجواب: إن عامّة روايات هؤلاء الثقات تتفق على أن سبب وضعه النحو هو ما رآه أو قيل له من شيوع اللحن في قراءة القرآن، كما تتفق معظم هذه الروايات- ومنها رواية أبي الطيب اللغوي وابن النديم وابن عساكر- على [1] انظر البرهان: 1 - 279.