ويتضح لك من هذا الذي ذكرناه أن القرآن وعاه الصدر الأول من الصحابة وبلغوه إلى من بعدهم بطريقتين:
إحداهما: الكتابة التي كانت تتم بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام لأشخاص بأعيانهم وكل إليهم هذا الأمر.
الثانية: حفظه في الصدور عن طريق التلقّي من كبار قرّاء الصحابة وحفّاظهم الذين تلقّوه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وأقرّهم على كيفية النطق والأداء.
كما يتضح لك أن القرآن رغم ذلك لم يجمع في مصحف على عهده صلّى الله عليه وسلّم؛ والسبب هو ضيق الوقت بين آخر آية نزلت منه وبين وفاته عليه الصلاة والسلام؛ فقد علمت مما ذكرناه أن الفترة بينهما لم تزد على تسع ليال في أكثر الروايات وأقربها إلى الاعتماد.
ثانيا- ما جدّ من ذلك في عهد أبي بكر:
قلنا إن القرآن كتب كله في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكن متفرقا دون أن يجمع في مصحف واحد بين دفتين كما هو اليوم.
فلما توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم وتولى الخلافة من بعده أبو بكر رضي الله عنه، ووقعت معركة اليمامة التي قتل فيها كما قلنا عدد كبير من حفظة القرآن أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن وحفظه بين دفتين مخافة أن يموت أشياخ القرّاء كأبيّ وابن مسعود فيختلف الناس في قراءته إذ لا يكون عندهم إمام يجمعون عليه.
ولننقل لك نص ما رواه البخاري في ذلك. روى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة (أي عند ما قتل أهل اليمامة) فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله عنه، إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عمر: هذا