ثم تسأل الآية: ومن يرزقكم من السماء والأرض، أي بأسباب سماوية وأرضية مرتبة على بعضها، وأنت تعلم أن إليهما مردّ كل الأرزاق التي يعيش بها الإنسان.
أإله مع الله بعد كل ذلك؟ ويأتي الالتفات عنهم هنا ليختم هذه الحجاج والبراهين السابقة كلها بقوله مخاطبا الرسول صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ... أي هذه هي براهين وجود الله ووحدانيته وألوهيته يقرّها العقل ويدركها المنطق، فقدموا بدوركم براهينكم التي تعتمدونها في جحودكم وإنكاركم لهذه الحقائق.
هذا، ولك أن تذهب في إعراب «أمّن» التي صدّرت بها الآيات السابقة، مذهبا آخر، فتعتبر من موصولة على الابتداء وتقدّر خبره على ضوء الجملة الأولى في أول الآيات: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ فيكون المعنى: بل أألذي جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا ... خير أم ما يشركون. وتحلّل سائر الآيات الأخرى على هذا التقدير. وقد ذهب معظم المفسرين هذا المذهب في إعراب الكلمة.
غير أن الذي ألحظه من سياق الآيات، وأشعر به من ذوق المعنى ومقتضاه أن الطريقة التي اعتمدناها في إعراب الآيات من اعتبار «من» استفهامية، أقوى دلالة وأقرب
استساغة وأبعد عن التكلّف. وإذا دارت الجملة بين التقدير وعدمه فعدم التقدير أولى، ومثله في القرآن قوله عزّ وجلّ في سورة الملك:
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ.
* ولما ختم الحديث عن البراهين على وجود الله ووحدانيته بالحديث عن عود الناس إلى الحياة من بعد الموت، وكان في هذا ما ينهض الجاحدين إلى استبعاد الحشر والمطالبة ببيان الأدلة والعلامات التي توضح ميقات ذلك اليوم وأجله- قال جلّ جلاله مخاطبا نبيّه عليه الصلاة والسلام: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي ليس لأحد مطمع في الاطّلاع على ما استأثر الله بعلمه من المغيبات، ومن أهمها الميقات