ولتنبيه الناس إلى هذه الدلالة، يعقب الله عزّ وجلّ على كل قصة ينتهي من عرضها بما يثير الانتباه إلى أن هذه المعلومات لا يمكن أن تكون قد أتت إلى محمد عليه الصلاة والسلام إلّا من نافذة الوحي المجرد فهو يقول بعد الانتهاء من ذكر قصة مريم وولادتها وكفالة زكريا لها: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [1] ويقول بعد عرض قصة يوسف بتفصيلها الواسع المعروف ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [2].
ويقول، بعد ذكر قصة موسى وفرعون وما يتعلق بهما من أخبار:
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً [3] ويسرد علينا قصة موسى نفسها بتفصيل أوسع، وأسلوب مختلف في سورة القصص، حتى إذا انتهى من بيانها وتصويرها، عاد يخاطب محمدا عليه الصلاة والسلام بهذه الآيات:
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ، وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ، وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا، وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [4].
الأمر الثاني: العبرة والموعظة
، وتأتي في أحد مظهرين:
الأول: بيان مدى قدرة الله تعالى وبالغ جبروته وسطوته، والكشف عمّا حاق بالأمم الماضية من فنون العذاب والهلاك، لتجبّرها وعنادها واستكبارها [1] آل عمران: 45. [2] يوسف: 102. [3] طه: 99. [4] القصص: 44 و 45 و 46.