غير أن كل هذا الذي أوضحناه من الوجوه المختلفة للإعجاز في هذا الكتاب الربّاني لا يتجلّى شيء منه إلا لقلب لم تخنقه أغشية الكبر والعناد، فأقبل إلى القرآن يتأمله متجردا عن أي عناد أو أسبقية إلى ضلالة عاهد نفسه أن لا يتحول عنها.
فأما من قد ران على قلبه الكبر والعصيان، ومرّ بالقرآن على هذه الحال.
فقد لا يتنبه إلى شيء مما ذكرنا ولا يتأثر به، وإن نبهه المنبهون واستثاره الناصحون، كيف وهو الذي يقول القرآن في حقه وحق أمثاله:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (الإسراء: 82).
ويقول أيضا: وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ...
(فصّلت: 44).
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الحق والرشد، وأن لا يصدّنا بفعل شهواتنا وأهوائنا عن الحق الذي أنزله على رسله وأنبيائه، إنه على كل شيء قدير.
الذين كتبوا في إعجاز القرآن
والكاتبون في إعجاز القرآن من العلماء وأئمة البيان كثير، وأول من كتب في ذلك الجاحظ رحمه الله (ت: 255) فقد ألّف في ذلك كتابا سمّاه (نظم القرآن) ثم ألّف أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي (ت: 306) كتابه إعجاز القرآن وجاء من بعده عبد القاهر الجرجاني (ت: 471) فشرحه شرحا مستفيضا سمّاه: المعتضد. كما ألّف كتابه المشهور (دلائل الإعجاز). ثم جاء أبو عيسى الرماني (ت: 385) فألّف هو الآخر كتابا في إعجاز القرآن، وظهر من بعده كتاب القاضي أبو بكر الباقلاني (ت: 403) واسمه أيضا: إعجاز القرآن، وهو كتاب جليل سلك فيه مؤلفه أقرب الوسائل إلى كشف جوانب الإعجاز القرآني وتذوقه.
وكتب بعدهم كثيرون في هذا الباب، كالإمام الخطابي وفخر الدين الرازي وابن أبي الأصبع. أما في عصرنا فأحسب أن خير من كتب في هذا الموضوع