كل مرة خبرا جديدا يشوقك أمره وتفجئك أحداثه، وشعرت أن النفس بحاجة إلى أن يعرض عليها هذا الخبر من كلا الجانبين وبكلا الأسلوبين.
على أن هذا الغرض يعود إلى يعود إلى ما ذكرناه من كون القرآن خطابا للناس كلهم، ذلك أن في الناس من لا يكفيه الموجز من القول والخلاصة في الحديث، حتى ينصت إلى الأمر مفصلا مطنبا، وفي الناس من تكفيه الخلاصة ويقنعه الإيجاز، فاقتضى الأمر أن تتصرف المعاني القرآنية في طرائق مختلفة من التعبير والبيان. وقد اهتم الجاحظ بهذه الحكمة في التكرار القرآني أكثر من غيرها [1].
الخاصّة الخامسة (تداخل بحوثه وموضوعاته):
فأنت لا تجد فيه ما تجده في عامّة المؤلفات والكتب الأخرى من التنسيق والتبويب حسب الموضوعات، وتصنيف البحوث مستقلة عن بعضها. وإنما تجد عامّة موضوعاته وأبحاثه لاحقة ببعضها دونما فاصل بينها، وقد تجدها متمازجة متداخلة في بعضها في كثير من السور والآيات.
وقد حسب بعض محترفي الغزو الفكري أن هذه الخاصّة القرآنية ثلمة يمكن الدخول منها إلى اصطناع نقد أو محاولة تهديم أو بثّ تشكيك، فأخذوا يتساءلون عن موجب هذا التداخل والتمازج في معاني القرآن، ثم راحوا يجيبون عن تساؤلهم هذا بأنها البدائية والبساطة في منهج البحث ... وفيه إلماح- كما ترى- إلى أنه لا يعدو كونه مجموعة أفكار منتثرة أنتجها فكر إنسان! ...
والحقيقة، أن هذه الخاصّة في القرآن، إنما هي مظهر من مظاهر تفرده واستقلاله عن كل ما هو مألوف ومعروف من طرائق البحث والتأليف ...
وواضح لكل ذي عينين أن هذا الكتاب- وهو كتاب عربي مبين- نسق غير معهود في منهجه وأسلوبه وتعبيره؛ ويدلّك على ذلك كل هذه الخصائص الذي ذكرناها وشرحنا طرفا منها. [1] انظر البرهان للزركشي: 3 - 12، وإعجاز القرآن للرافعي: 221، وإعجاز القرآن للباقلاني:
ص 106 و 107.