والمؤلف لا ينكر أنه استفاد من الذين سبقوه وإنما يعلن ذلك فى صراحة، أنه يقول: وقد تلقيت التفسير- بحمد الله- من تفاسير متعددة، رواية ودراية، عن أئمة ظهرت وبهرت مفاخرهم، واشتهرت وانتشرت مآثرهم ... ».
وهذه شيمة العلماء الأعلام: أنهم يعترفون بالفضل لأولى الفضل فلا ينقصهم الاعتراف بل يزيدهم فضلا ورفعه.
وهاك نموذجا من تفسيره: قال فى قوله تعالى:
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (سورة البقرة: 284) «لله ما فى السموات وما فى الأرض» خلقا وملكا- قال الجلال السيوطى: وعبيدا ولعل ذكره بعد «ملكا» لئلا يتوهم أن «ما» لما لا يعقل «وان تبدوا» أى تظهروا ... «ما فى أنفسكم» من السوء والعزم عليه «أو تخفوه» أى تسروه «يحاسبكم» أى يجزكم «به الله» يوم القيامة والآية حجة على من أنكر الحساب كالمعتزلة والروافض. «فيغفر لمن يشاء» مغفرته «ويعذب من يشاء» تعذيبه، وهذا صريح فى نفى وجوبه، وقرأ ابن عامر وعاصم برفع الراء من «يغفر»، ورفع الياء من «يعذب» على الاستئناف، والباقون يجزمهما عطفا على جواب الشرط، وأدغم الراء المجزومة فى اللام: السوس.
وقول الزمخشرى، ومدغم الراء فى اللام مخطئ خطأ فاحشا ورواية عن ابن عمر يعنى: السوس- مخطئ مرتين: لأنه يلحن وينسب اللحن إلى أعلم الناس بالعربية مما يؤذن بجهل عظيم، والسبب فى نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب فى قلة الضبط قلة الدراية ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو مردود لأنه مبنى على القول بأن الراء إنما تدغم فى الراء لتكرره الفائت بإدغامها فى اللام ...