ما أشبه الليلة بالبارحة:
روى زيد بن أسلم قال: مرّ شاس بن قيس اليهودى- وكان شيخا عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين- بنفر من الأوس والخزرج، وهم فى مجلس يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم فى الإسلام، بعد الذى كان بينهم من العداوة فى الجاهلية، وقال:" قد اجتمع بنو قيلة- (وهو لقب الأنصار قبل الإسلام) - بهذه البلاد، والله ما لنا معهم من قرار إذا اجتمعوا" فأمر شابّا من اليهود كان معه أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث- (وهو يوم القتال بين الأوس والخزرج) - ففعل فتكلّم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا، وتنادوا إلى السلاح، وتداعوا بدعوى الجاهلية، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون، حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ بعد إذا أكرمكم الله بالإسلام، وقطع عنكم أمر الجاهلية، وألّف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، الله الله! فعرف القوم أنها نزغة الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، واعتنق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل الآيات [2].
أرأيت أيها الأخ المسلم كيف تغيظ وحدة المسلمين عدوهم، فيعمل على تمزيقها، وما حصل بالأمس قد تكرّر اليوم، فإنّ خصوم الإسلام من المستعمرين والغاصبين والملاحدة رأوا وحدة المسلمين فى ديارهم وأقطارهم، ورأوا شدة تمسّكهم بدينهم، فعملوا على تمزيق هذه الوحدة بالتجزئة والتقسيم، وإثارة القومية الموضعية بين الأقطار
(1) نشرت فى مجلة (النذير) فى العدد (18) من السنة الثانية فى غرة جمادى الأولى سنة 1358 هـ. [2] انظر: سيرة ابن هشام (2/ 183 - 185).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 515