[شرح الآية]
بعد أن ألزم الحق تبارك وتعالى المؤمنين أن يقيموا قسطاس العدل، ويحافظوا على وحدة الأمة الإسلامية، أرشدهم من طريق آخر إلى معنى ثان يوجب المحافظة على هذه الوحدة والعمل على سلامتها، ذلك المعنى هو الصلة التى ربط بها الإسلام بين قلوبهم وهى أخوة الإيمان.
والعقيدة- يا أخى- أقوى الروابط بين الناس إذا سلمت وصحت وقويت فى نفس صاحبها، ومنشأ ذلك: أن صاحب العقيدة القوية يرى نفسه مفردا بسبب هذه العقيدة عن الناس، وحيدا بينهم، غريبا فيهم، فهو فى مسيس الحاجة إلى من تسكن إليه نفسه، ويأنس به قلبه، ويشتدّ به أزره، وليس فى ذلك إلا رجل اعتقد مثل عقيدته، وآمن بمثل ما آمن به، هنالك تلتئم الروحان، ويتّحد القلبان، وتسكن ثائرة النفس، ويستشعر كلّ منهما بالآخر روح الأنس، ويودّ أحدهما لو يفتدى الآخر بالدنيا وما فيها، وما قيمة الدنيا وما فيها إذا خلت من أنيس يرتاح إليه القلب، وتسكن معه النفس؟ هذا هو منشأ الوحدة والارتباط فى نفوس أهل العقيدة الواحدة والمبدأ المتّفق.
وإنك لترى بين الناس روابط كثيرة من نسبية وعصبية؛ وصداقة ومعرفة، واشتراك فى تجارة؛ أو مصلحة؛ أو غاية مما يرتبط بهذه الأغراض الزائلة، فترى كل الروابط سريعة الزوال، وشيكة الانحلال، على حين ترى أهل العقيدة الواحدة على قلب واحد وشعور واحد، والله تبارك وتعالى يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التوبة:
71]، على حين وصف المنافقين وهم الذين تذبذبت عقائدهم، واضطرب ميزان إيمانهم بقوله: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر: 14].
(1) نشرت فى مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) الأسبوعية فى العدد (12) من السنة الثالثة الصادر فى غرة ربيع الآخر سنة 1354 هـ- 2 من يوليو سنة 1935 م.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 450