اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 405
الإنسانية مقرونا بالظلم تارة، وبالجحود تارة أخرى، وهكذا قال تبارك وتعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34]، وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الأحزاب: 72]، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف: 53] الآيات، ويكون المراد على ذلك- والله أعلم-: أن الله تبارك وتعالى يغفر للناس تفضلا منه وكرما، وإن كانت طبائعهم إلى الشر والظلم أقرب.
ومن ذلك تعلم: أن الإنسان فى أشد الحاجة إلى محاسبة نفسه ومراقبتها أدق المراقبة، ومقاومة غرائز السوء فيها، وتقوية عوامل الصلاح والخير التى تحيط بها، حتى يسلس له قيادها ويسير فى الطريق المستقيم، وذلك بإشعارها الخوف تارة، وأخذها بالشدة والقسوة وإشعارها بالرجاء تارة أخرى، وأخذها باللين والأمل، قال الإمام النووى فى (رياض الصالحين): «اعلم أن المختار للعبد فى حال صحته: أن يكون خائفا راجيا، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفى حال المرض يمحض الرجاء، وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة متظاهرة على ذلك .. فيجتمع الخوف والرجاء فى آيتين مقترنتين، أو آيات، أو آية واحدة» [1].
وكأنه- رحمه الله- أشار بتغليب الرجاء حال المرض إلى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما: أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» رواه مسلم [2].
والقاعدة التى يجب أن يسير عليها الإنسان دائما: الفرار إلى الخوف، وهكذا لا يزال يكسر حدة أحدهما بالآخر بحسب حاله فى مجاهدة نفسه.
وفى التعبير بالربوبية فى قوله تبارك وتعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ) إشارة إلى عظيم لطف الله تبارك وتعالى بعباده وتعهده إياهم بفضله وبره، وأن المراد بالثواب والعقاب: إنما هو كمال تربية النوع الإنسانى، حتى يصل إلى كماله المنشود. [1] انظر: رياض الصالحين ص 168. بتحقيق: شعيب الأرناءوط. ط: الرسالة. [2] رواه أحمد (4/ 287) ومسلم (2877) عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 405